شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ـ التهريب الجمركي: سرطان ينخر في جسد الاقتصاد السوداني ــ بعانخي برس
بعانخي برس
يمثل التهريب الجمركي في السودان آفة مستشرية تتغذى على أركان الاقتصاد الوطني، وتؤثر سلبًا على كافة مناحي الحياة. فما هي أبعاد هذه المشكلة وكيف تتسبب في تدهور الأوضاع الاقتصادية؟ وما هي الحلول المقترحة لمواجهتها؟
إن وصف التهريب الجمركي بأنه “خيانة للوطن” ليس مبالغة، بل هو واقع ملموس. فمن خلال هذه الجريمة، يتم حرمان الدولة من إيرادات مالية ضخمة كانت ستساهم في تمويل مشاريع التنمية والبنية التحتية، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين. كما يؤدي إلى انتشار السلع المغشوشة والضارة، مما يعرض صحة وسلامة المستهلكين للخطر.
تتعدد الأسباب التي تساهم في تفشي ظاهرة التهريب الجمركي في السودان، ويمكن تلخيصها في الظروف الاقتصادية الصعبة التي بالعديد من المواطنين إلى اللجوء إلى التهريب كوسيلة لكسب العيش، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة والفقر، بجانب غياب الرقابة الفعالة على الحدود والمنافذ الجمركية، وتواطؤ بعض العاملين في هذه الأجهزة، يسهل عمليات التهريب، مع انتشار الفساد الإداري في بعض مؤسسات الدولة يضعف قدرتها على مكافحة التهريب، وتشتت المسؤوليات بين الجهات المعنية بمكافحة التهريب يؤدي إلى ضعف التنسيق وتسهيل عمليات التهريب، كما يساهم الطلب المتزايد على السلع الرخيصة، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار، في تشجيع عمليات التهريب.
تترك ظاهرة التهريب الجمركي آثارًا وخيمة على الاقتصاد السوداني، من أبرزها تراجع الإيرادات العامة، لانخفاض كبير في الإيرادات الجمركية، مما يضعف قدرة الدولة على تمويل ميزانيتها، ويتسبب التهريب في إغراق الأسواق بالسلع المهربة الرخيصة، مما يضعف القدرة التنافسية للصناعات المحلية ويؤدي إلى تراجع الإنتاج الصناعي، وبالتالي زيادة معدلات البطالة، مما يفاقم من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، كما يؤدي انخفاض الإيرادات العامة إلى تأخر تنفيذ المشاريع التنموية، مما يؤثر سلبًا على البنية التحتية للبلاد. ويؤدي التهريب إلى زيادة المعروض من السلع، مما قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار في المدى القصير، ولكن على المدى الطويل يؤدي إلى اختلال التوازن في السوق وارتفاع الأسعار.
لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، يجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات الشاملة والحاسمة، تشمل تدعيم الرقابة على الحدود والمنافذ الجمركية من خلال استخدام أحدث التقنيات وأجهزة الكشف، وتدريب الكوادر العاملة في هذا المجال، وتطبيق إجراءات تفتيش دقيقة على الأشخاص والبضائع. ومحاربة الفساد الإداري بكل حزم، وتطبيق عقوبات رادعة على المتورطين في عمليات التهريب، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية. وتحديث الأنظمة والقوانين الجمركية لتتماشى مع التطورات العالمية، وتبسيط الإجراءات الجمركية لتشجيع التجارة المشروعة، وتعزيز التعاون مع الدول المجاورة لمكافحة التهريب عبر الحدود، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتقديم الدعم اللازم للصناعات المحلية لتمكينها من المنافسة، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة، مع توعية المواطنين بأضرار التهريب على الاقتصاد الوطني، وحثهم على التعاون مع الجهات المعنية لمكافحة هذه الظاهرة.
إن مكافحة التهريب الجمركي تتطلب تضافر جهود جميع الأطراف، الحكومة والمواطنين والقطاع الخاص، فالتهريب ليس مجرد مشكلة اقتصادية، بل هو تهديد للأمن القومي والاستقرار الاجتماعي. ومن خلال اتخاذ الإجراءات اللازمة، يمكن للسودان أن يحقق تقدمًا ملموسًا في مكافحة هذه الظاهرة، وحماية اقتصاده ومستقبل أجياله.