راي

شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ ولا بديل للسكة حديد إلا السكة حديد: شرايين الحياة في مرحلة ما بعد الحرب ــ بعانخي برس

بععانخي برس

 

 

 

شهدت هيئة سكك حديد السودان، كما هو حال كثير من المؤسسات الوطنية، تقلبات واضطرابات في مسيرة تطورها، إلا أنها ظلت شريانًا حيويًا لا يمكن الاستغناء عنه، خاصةً في بلد شاسع الأطراف كالسودان. وفي خضم الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وما تلاها من تحديات ضخمة لمرحلة ما بعد الحرب، تبرز الحاجة الماسة إلى إعادة الاعتبار لهذا القطاع الحيوي، مؤكدةً المقولة التي لا تحتمل الجدل: “ولا بديل للسكة حديد إلا السكة حديد”.
للسكة الحديد أهمية استراتيجية تتجاوز مجرد نقل الركاب والبضائع؛ فهي ركيزة أساسية في البنية التحتية الاقتصادية والأمن الغذائي للبلاد. وقد أثبتت التجربة، خاصةً في فترات الرخاء النسبي مثل فترة استخراج البترول، أن توجيه الاهتمام الحكومي لهذه الهيئة ينعكس مباشرةً على قدرتها وكفاءتها. بالاستثمار في تحديث القطارات وتأهيل البنية التحتية وخطوط الشبكة أدى إلى اضطلاعها بأدوار مفصلية، كدورها في نقل النفط الخام من مناطق الإنتاج إلى المصافي. هذا الاهتمام، للأسف، تذبذب لاحقاً، حيث أصبحت الهيئة تتنافس ضمن أولويات حكومية مضغوطة بالظروف الاستثنائية، مما يستوجب إعادة النظر في هذه الأولويات الآن.
,اليوم، وفي مرحلة الانتقال إلى التعافي وإعادة البناء، يكتسب دور السكة الحديد أهمية مضاعفة. القدرة على نقل الإغاثة والسلع الضرورية بتكلفة منخفضة وكميات هائلة من الموانئ (مثل بورتسودان وحلفا) إلى الولايات المختلفة هي عامل حاسم في جهود الإغاثة الإنسانية وتخفيف الأعباء المعيشية. إلى جانب ذلك، لا يمكن تصور عملية إعادة الإعمار والبناء واسعة النطاق دون الاعتماد على الشبكة الحديدية لنقل مواد البناء والمعدات الثقيلة بكفاءة واقتصاد. إن استعداد الهيئة للقيام بهذا الدور الحيوي يجب أن يُقابل بدعم حكومي فعّال وفوري لضمان جاهزيتها التشغيلية القصوى.
الطموح المستقبلي لسكك حديد السودان يرتكز على توسعة الشبكة وإدخال التقنيات الحديثة لتعزيز قدرتها التنافسية. هذا الطموح مشروع وضروري، ففي الأعوام القادمة، من المتوقع أن تعود السكة الحديد لتلعب دوراً رائداً في حركة نقل البضائع والمواطنين، مستفيدةً من ميزتها الاقتصادية والبيئية مقارنة بالنقل البري. تحقيق هذه الرؤية يتطلب خطة استراتيجية طويلة الأجل تتجاوز الظروف الراهنة، وتضمن التمويل المستدام اللازم للتحديث المستمر.
لا تقتصر تحديات السكة الحديد على التمويل وتحديث المعدات، بل تمتد لتشمل حماية أصولها من التعديات. إن ظاهرة التعدي على أراضي السكة الحديد في عدد من الولايات تمثل إهداراً للأملاك العامة وعائقاً أمام أي خطط توسعة أو تطوير مستقبلية. الإشارة إلى وجود تفاهمات وتنسيق مع ولاة الولايات لمعالجة هذه التعديات وتسوية وضع الأصول هو خطوة إيجابية، لكنها تتطلب إجراءات حاسمة ومستمرة لضمان استعادة هذه الأصول وحمايتها بشكل دائم، لأن الأراضي والأصول هي جزء لا يتجزأ من الإمكانيات الكلية للهيئة.
إن النداء الذي وجهه مسؤول الهيئة للحكومة المركزية بضرورة زيادة الاهتمام بسكك حديد السودان في مرحلة ما بعد الحرب ليس مجرد طلب دعم، بل هو دعوة لاتخاذ قرار استراتيجي يخص مستقبل البلاد الاقتصادي والبنيوي. بالاستثمار في السكة الحديد هو استثمار في التعافي، التنمية المستدامة، وربط أجزاء الوطن الشاسع. لا يمكن للبلاد أن تنهض أو تستعيد عافيتها الاقتصادية دون وجود نظام نقل مركزي وفعال. لذلك، يبقى القول الفصل هو أن لا بديل للسكة حديد إلا السكة حديد، وعليها أن تستعيد ريادتها كخيار أول لنقل البضائع والأفراد، وهو ما يتطلب وضعها في مقدمة أولويات الحكومة الآن ودائمًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى