شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ مكافحة خطاب الكراهية: معركة السودان الآنية ــ بعانخي برس
بعانخي برس

يوافق الثامن عشر من حزيران/يونيو من كل عام اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية، وهو يومٌ يذكرنا بأن الكلمات، شأنها شأن السهام، إذا أُطلقت أصابت، وأن التنمّر في الفضاء الرقمي واقع قائم، ووراء كل حساب إنسان يستحق الاحترام. في هذا اليوم، تتجدد الدعوة إلى اللطف والرأفة ورفع راية الإنسانية في كل تواصل. يأتي هذا التذكير العالمي بأهمية بالغة في ظل ما يشهده السودان من تفشٍّ مريع لخطاب الكراهية، خاصة مع استعار نيران الحرب الحالية، حيث يجد هذا الخطاب بيئة خصبة للانتشار، مُغذياً الصراع ومُعمقاً الانقسامات.
لم تكن الكراهية وليدة اللحظة في السودان، بل هي بلاء قديم تعاظمت سطوته بفعل التقدم التقني في وسائل الاتصال، حتى غدت أداة مألوفة لنشر الأيديولوجيات الهدّامة وبثّ الفرقة. في خضم الحرب المشتعلة، أصبح خطاب الكراهية وقوداً يغذي النزاع، حيث تستخدمه الأطراف المتصارعة لإثارة المشاعر العدائية ضد مجموعات معينة على أساس هويتهم العرقية أو القبلية أو الجهوية. هذا الخطاب لا يقوّض فقط أسس السلام والتنمية، بل يؤجّج النزاعات ويفضي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، كما رأينا في مأساة سربرنيتشا التي تذكرنا بها الأمم المتحدة، حيث أدى خطاب الكراهية إلى إحدى أفظع الجرائم التي شهدتها أوروبا.
في السودان، تتجسد هذه المخاطر بشكل صارخ. مع انتشار الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، يجد خطاب الكراهية طريقه إلى ملايين الأجهزة، مستفيداً من خوارزميات المنصات الرقمية التي قد تنشر المحتوى السام وتخلق فضاءات جديدة للتحرش والإساءة. وهذا ما يؤكده الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بأننا نشهد اليوم درجة غير مسبوقة لسرعة انتقال خطاب الكراهية واتساع رقعته، يزداد انتشاراً بفعل الذكاء الاصطناعي.
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يتيح أدوات فعالة للإنذار المبكر ومنع اندلاع النزاعات، إلا أنه ينطوي كذلك على مخاطر حقيقية إن لم تُراعَ فيه الضمانات المرتبطة بحقوق الإنسان. ففي السودان، يمكن أن يُستخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء وتضخيم المحتوى الذي يحض على الكراهية، مما يجعل التعرف على خطاب الكراهية أمراً معقداً، ويستحيل أحياناً على الأفراد، خاصة الأطفال، تمييزه أو التعامل مع تبعاته النفسية. فكلمات القسوة قد تُربك أو تُخيف، مما يجعل اللطف في القول، سواء وجهًا لوجه أو عبر الإنترنت، خُلقاً لا غنى عنه.
الأمر الأكثر خطورة هو الصمت. ففي مواجهة الخطاب المؤذي، قد يبعث على التردد والخشية، ولا سيما حينما يطلّ في سياقات يومية أو في بيئة العمل أو حتى في الصراعات المسلحة. وقد يحول الخوف من التصعيد أو من ردّات الفعل دون المجاهرة بالرفض والتنديد. غير أن الصمت يُفسح المجال لترسّخ الأفكار المؤذية وانتشارها، مما يمكن أن يؤدي إلى كارثة إنسانية أكبر.
لمواجهة هذا الخطر المتفاقم، لا بد من تكاتف الجهود على جميع المستويات. تؤكد الأمم المتحدة على الدور الحيوي للشراكات مع الشركات العاملة في مجال التقانة ومنصات التواصل الاجتماعي، ولا سيما في توظيف التقانة الاصطناعية، بوصفها وسيلة لمكافحة خطاب الكراهية. ولكن الأهم هو الدور الوقائي للتعليم. إن التسلّح بالمعرفة والمهارات اللازمة للتعرّف على خطاب الكراهية والتصدي له يجعل مجابهة الخطاب المؤذي أكثر يُسرًا، سواء في الواقع أو في الفضاء الرقمي. حملة #لا_لكراهية التي أطلقتها الأمم المتحدة، والتي تضم مواد تعليمية مناسبة للأطفال، هي مثال يحتذى به في هذا الصدد.
في السودان، يجب أن تُبذل جهود مضاعفة لتعزيز الوعي بمخاطر خطاب الكراهية، خاصة بين الشباب والأطفال الذين هم الأكثر عرضة للتأثر به عبر الإنترنت. يجب أن تُطلق حملات توعية مكثفة، وتُدمج مفاهيم التسامح وقبول الآخر في المناهج التعليمية. على المجتمع المدني أن يلعب دوراً فعالاً في رصد خطاب الكراهية وتوثيقه، والضغط على السلطات لاتخاذ إجراءات صارمة ضد المحرضين. كما يجب على الجهات القضائية أن تفعل القوانين الرادعة لخطاب الكراهية، وأن تضمن محاسبة كل من يشارك في نشره.
اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية هو تذكير بأن الكلمات لديها قوة هائلة، إما للبناء أو للهدم. في السودان، حيث لا تزال جراح الحرب غائرة، وحيث يواصل خطاب الكراهية تأجيج النزاعات، يجب أن نختار بعناية الكلمات التي نستخدمها وندعم من يعارضون الكراهية. فليكن اللطف خيارنا، والرأفة سمتنا، ولنرفع راية الإنسانية في كل تواصل، لنبني سلاماً مستداماً يبدأ بوقف سيل الكراهية المدمر.