راي

شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ قراءة في كواليس لقاء زيورخ: رسائل أمريكية جديدة في الملف السوداني ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

تكشف تفاصيل اللقاء السري الذي جمع الفريق أول عبد الفتاح البرهان وكبير مستشاري الرئيس الأمريكي، مسعد بولس، في زيورخ، عن تحول محتمل في النهج الأمريكي تجاه الأزمة السودانية. فبعد عام ونصف من المباحثات التي لم تحقق نتائج ملموسة، يأتي هذا الاجتماع رفيع المستوى ليطرح تساؤلات حول طبيعة الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، ودور الأطراف الإقليمية في رسم مسار الحل.
قد أثارت السرية التي أحاطت باللقاء، وعدم علم بعض المسؤولين السودانيين به، تساؤلات حول أسباب التكتم الشديد. فربما كانت واشنطن تسعى لفتح قناة تواصل مباشرة وبعيدة عن الأضواء، بعيدًا عن الإطار الرسمي لمباحثات جدة أو المنامة، والتي لم تفضِ إلى حلول تذكر. هذا التغير في النهج، والذي أشارت إليه المصادر الإعلامية، قد يكون رد فعل على سياسات الإدارة الأمريكية السابقة، التي ربما أدت إلى تعقيد العلاقات بدلًا من تسهيلها.
إن الرسالة التي حملها مسعد بولس من واشنطن، والتي تؤكد الرغبة في “بناء علاقات مباشرة مع السودان”، تعكس إدراكًا أمريكيًا بأن إيجاد حل للأزمة يتطلب التعامل مع الحكومة السودانية المعترف بها، ممثلة في مجلس السيادة الانتقالي. هذا الاعتراف قد يمنح حكومة البرهان ش١رعية دولية أكبر، ويضعها في موقف أقوى عند التفاوض. وفي المقابل، فإن حرص واشنطن على “التحول المدني الديمقراطي” يرسل رسالة واضحة حول شروطها للتعاون المستقبلي، والتي تتماشى مع مطالب الثورة السودانية.
أحد أبرز ملامح هذا اللقاء هو الموقف الأمريكي المتشدد تجاه ميليشيا الدعم السريع. إن إدانة مسعد بولس الصريحة لمقتل المدنيين في الفاشر، والدعوة إلى حماية المدنيين وفتح ممرات إنسانية، تعكس تحولًا في الخطاب الأمريكي. لقد تخلت واشنطن عن دبلوماسيتها الحذرة، لتوجه أصابع الاتهام مباشرة إلى الميليشيا. هذا الموقف يتوافق مع ما كشفه البرهان عن تمسك الحكومة السودانية بضرورة تفكيك الدعم السريع ومحاكمة قادتها، وهو ما يعكس تقاطعًا في الرؤى بين الجانبين، على الأقل في هذه النقطة.
كما أن تأكيد المصادر على أن الدعم السريع لم تُدعَ للمشاركة في هذه المباحثات، يعزز الانطباع بأن واشنطن قد قررت التعامل مع الأزمة من منظور حكومي بحت، وتهميش دور الميليشيا. هذا التوجه قد يشير إلى احتمالية تصعيد أمريكي ضد الدعم السريع، خاصة مع وجود “جهود مكثفة في الكونغرس الأمريكي لتصنيفها كمنظمة إرهابية”.
رغم أن مسعد بولس أكد أن الحلول يجب أن تكون “سودانية خالصة”، وأن اجتماعات “الرباعية” تهدف للتشاور وليس لفرض حلول، إلا أن هذا التأكيد لا يلغي الدور المحوري الذي تلعبه القوى الخارجية في تحديد مسارات الأزمة. إن وجود وساطة قطرية في هذا اللقاء السري، بالإضافة إلى إشارة البرهان إلى “التدخلات الخارجية من جميع الأطراف خصوصاً دولة الإمارات العربية المتحدة”، يبرز مدى تعقيد المشهد.
إن هذا اللقاء يفتح الباب أمام تساؤلات حول مستقبل الأزمة السودانية. فهل ستنجح هذه المباحثات في دفع مسار السلام؟ وهل سيؤدي تغير النهج الأمريكي إلى نتائج مختلفة عن سابقاتها؟ وهل ستشهد الأيام القادمة تصعيدًا دوليًا ضد ميليشيا الدعم السريع؟
يبقى الأمل معقودًا على أن يسهم هذا اللقاء في إنهاء معاناة المدنيين في السودان، ولكن الحذر مطلوب، فحل الأزمة لا يزال مرهونًا بتوافق القوى السودانية، وبنية المجتمع الدولي على اتخاذ مواقف موحدة وحاسمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى