راي

شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ في ذكرى مصطفى سند: شاعر الحلم والهوية ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

تحل علينا ذكرى رحيل قامة شعرية سودانية أصيلة، الشاعر القدير مصطفى سند، الذي غادر دنيانا في 23 مايو 2008. يُعد سند واحدًا من أبرز شعراء السودان المعاصرين، ورائدًا من رواد حركة الشعر الحديث في بلاده، تاركًا خلفه إرثًا شعريًا لا يزال يدهش الأجيال ويُشعل في القلوب جذوة الانتماء والحب.
في 13 أكتوبر 2007، أول أيام عيد الفطر المبارك لعام 1429 هجري، نظمنا حفلًا بهيجًا في مدينة خميس مشيط بالمملكة العربية السعودية. هذا الحفل، الذي شاركت فيه الجالية السودانية بخميس مشيط وأبها، قدمته أنا والإعلامية القديرة راما الشريف لصالح قناة هارموني.
كان الهدف الأساسي من الحفل هو الاحتفال بعيد الفطر، ولكن بناءً على اقتراح من الدكتور أمين الهندي، مدير إحدى المستشفيات الخاصة بأبها، ومطالبته بأن نستضيف الشاعر الكبير مصطفى سند، تحول الحفل إلى تكريم له. كان الشاعر يقيم آنذاك في أبها برفقة زوجته الدكتورة نعيمة، وقد حرصنا على منحه أكبر وقت ممكن لقراءة قصائده والالتقاء بالجالية السودانية.
لقد كان الحفل ناجحًا بكل المقاييس، بل يُعد من أنجح الفعاليات التي أقامتها الجالية السودانية في تاريخ خميس مشيط، وقد بثت فضائية هارموني لقطات منه عدة مرات.
بعد سبعة أشهر من هذا الحفل، الذي بثته قناة هارموني، وافت المنية شاعرنا القومي مصطفى سند في 23 مايو 2008. وقد كان لي شرف حضور مراسم تشييعه في أبها، حيث شاركنا السفير السوداني بالرياض آنذاك، السفير محمد الأمين الكارب، ووفد من السفارة.
خلال تلك الفترة، قضيت أيامًا رائعة متنقلًا بين أبها وخميس مشيط، والتقيت الراحل مصطفى سند مرات عديدة في شقته بأبها. وأذكر أننا أسسنا حينها “جمعية أصدقاء الشاعر مصطفى سند” مع مجموعة مميزة من خميس مشيط وأبها، وانضم إلينا لاحقًا قيادات من العمل العام من الرياض
تميزت قصائد سند بكونها ملتهبة ومتفردة، تحمل في طياتها تمرداً غرائبيًا فريدًا. كلماته كانت تتراقص على إيقاع الموسيقى، حاملة عبق الصحراء ورياح الغابات، تفوح منها رائحة الهوية والتاريخ، وتفوح منها عذوبة مياه النيل الأزرق وهضاب السودان الخضراء البعيدة. كان قلمه المرهف ينسج لوحات فنية تفيض رقة وجمالاً، تعكس عواطف جياشة وأحاسيس عذبة.
رغم بلوغه السبعين من عمره، ظل مصطفى سند يتقد حيوية ونشاطًا وإبداعًا. ففي قصائده، نلمس ملامح البهجة والشوق والضوء والعتمة، ونكاد نُمسك بحبات الرمل ونلامس قطرات الندى التي تشع بوهج شعره. هذا التأثر العميق ببيئة أم درمان الجميلة، مسقط رأسه عام 1939، حيث ترعرعت نفسه الشعرية في أرجائها، هو ما منح شعره تلك الأصالة والعمق.
لم يكن تأثير سند مقتصرًا على جيله فقط، بل امتد ليشمل الأجيال التالية، خاصة في فترة الستينيات من القرن الماضي. فقد برز هو ورفاقه، أمثال صلاح أحمد إبراهيم، ومحمد المكي إبراهيم، والنور عثمان أبكر، ومحمد عبد الحي، كإضافة مميزة للطلائع الأولى من شعراء السودان الحديث، الذين ضموا الجيلي عبد الرحمن، ومحمد الفيتوري، وتاج السر الحسن، ومحي الدين فارس.
اليوم، ونحن نستذكر مصطفى سند، لا نستذكر مجرد شاعر رحل، بل نستذكر روحًا وطنية عاشقة، وإبداعًا لا ينضب، وتراثًا شعريًا سيبقى خالدًا في ذاكرة الأمة السودانية. إن إحياء ذكرى هذا الشاعر الكبير هو إحياء لقيم الأصالة والهوية والانتماء التي جسدها شعره، وهو دعوة للاحتفاء بإسهاماته التي أثرت المشهد الثقافي السوداني والعربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى