شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ رئيس وزراء: بين مطرقة التحديات وسندان الآمال في السودان ــ بعانخي برس
بعانخي برس

بعد طول انتظار وترقب، وبعد مخاض عسير أعقب التحولات السياسية والحرب المدمرة التي عصفت بالبلاد، صدر أخيراً قرار تعيين رئيس لمجلس الوزراء في السودان. هذا القرار، الذي طال انتظاره منذ أكتوبر 2021، يمثل بارقة أمل في سماء ملبدة بالغيوم، ويضع على عاتق الرئيس الجديد مسؤولية تاريخية في قيادة البلاد نحو التعافي والاستقرار.
لقد جاء هذا التعيين بعد فترة عصيبة شهدت استقالة رئيس الوزراء السابق، حمدوك، الذي بدأ بوعود ثم تراجع عنها، ليقف في صف قوى الحرب. كما تأخر القرار رغم إعلانات رئيس مجلس السيادة المتكررة بضرورة تعيين رئيس وزراء مدني كفء ومستقل. ويبدو أن الأولوية العسكرية وتحرير البلاد من براثن الميليشيات قد طغت على هذا الملف، مما أدى إلى هذا التأخير الملحوظ.
الآن، وقد حسم الأمر، يتجه التركيز نحو التحديات والفرص الماثلة أمام رئيس الوزراء الجديد. وبعيداً عن التقييمات المسبقة والانطباعات القديمة، تتضح ملامح الطريق الذي ينتظره، والذي يبدأ بإعادة ترتيب البيت الداخلي للحكم. فقرار رئيس مجلس السيادة الأخير بإعادة كافة الصلاحيات إليه يهدف إلى تذليل العقبات أمام الحكومة التنفيذية ومنع أي تضارب في الاختصاصات، وهو ما يمثل خطوة ضرورية نحو إدارة أكثر فعالية.
أولى وأعجل التحديات تتمثل في إعادة تأهيل الخدمات الأساسية في الولايات الآمنة. فالمواطن الذي عانى ويلات الحرب والنزوح يتطلع إلى عودة تدريجية لحياة طبيعية، تبدأ بتوفير الكهرباء والمياه النظيفة، وإعادة تأهيل المستشفيات والمدارس والجامعات. هذه الخطوة ضرورية لخلق بيئة مواتية لعودة آمنة وكريمة للنازحين إلى ديارهم.
التحدي الآخر لا يقل إلحاحاً، وهو إعادة الأمن والأمان إلى المناطق المحررة. يتطلب ذلك متابعة دقيقة وتنسيقاً فعالاً بين قوات الشرطة والأجهزة الأمنية والعدلية، لضمان شعور المواطن بالأمان في منزله وعدم الخوف على نفسه وأسرته بعد الانفلات الأمني الذي أعقب الحرب وانتشار السلاح والجريمة.
أما التحدي الأخطر على الإطلاق، فهو محاربة الفساد المستشري. لا يمكن للبلاد أن تستقر وتزدهر ما لم تشن الحكومة التنفيذية حرباً ضروساً على الفساد، وتعمل على ضبط حركة العمل وتنفيذ القوانين بشفافية وعدالة، بعيداً عن المحسوبية والجهوية التي نخرت جسد الدولة لعقود طويلة.
التحدي الأخير والعاجل أيضاً، هو إعادة الوزارات والمؤسسات الحكومية إلى العاصمة الخرطوم. يتطلب ذلك تأهيل المباني وعودة الموظفين لممارسة أعمالهم، ليعود دولاب العمل التنفيذي إلى الدوران من جديد. هذه الخطوة حيوية لتنفيذ خطط إعادة الإعمار وعودة الحياة العملية إلى طبيعتها.
في المقابل، وعلى الرغم من جسامة التحديات، تلوح في الأفق بعض الفرص التي يمكن لرئيس الوزراء الجديد استغلالها. أولى هذه الفرص هي التماسك النسبي للجبهة الوطنية الداعمة للقوات المسلحة وقيادتها، التي تحظى بتقدير واحترام قطاعات واسعة من الشعب السوداني.
ثانياً، خروج العديد من الشخصيات التي كانت تمثل بؤر توتر ومعارضة من البلاد، بعد أن لفظتهم الجماهير، قد يخلق بيئة أكثر استقراراً للحكومة الجديدة.
ثالثاً، وجود مقاومة شعبية واعية بأهدافها، والتي تضع في مقدمتها القضاء على التمرد وإعادة بناء ما دمرته الحرب، يمكن أن يمثل سنداً قوياً لجهود الحكومة.
رابعاً، استعداد الشعب السوداني لتبني فضيلة الصبر والأمل في مستقبل أفضل، يمثل رصيداً معنوياً هاماً يمكن للحكومة أن تستثمره لكسب ثقة المواطنين.
خامساً، التطلع الشعبي إلى إجراء تعديلات جوهرية في أجهزة الحكم، خاصة الخدمة المدنية والقضاء وبنك السودان، يمنح رئيس الوزراء الجديد تفويضاً شعبياً لإجراء إصلاحات جذرية طال انتظارها.
سادساً، عودة الأمن والأمان النسبي إلى الخرطوم بعد طرد الميليشيات المتمردة، يوفر قاعدة انطلاق جيدة لعمل الحكومة المركزية.
سابعاً، إمكانية استثمار العلاقات الخارجية بشكل صحيح، بعيداً عن الضغوط التي قد تعرقل عمله، يمكن أن يساهم في جلب الدعم والمساعدات اللازمة لعملية إعادة الإعمار والتنمية.
أخيراً، دخول رئيس الوزراء الجديد إلى منصبه دون تصنيفات سياسية مسبقة قد تعيق حركته، يمنحه فرصة لبناء جسور من الثقة والتعاون مع مختلف القوى الوطنية.
إن المهمة الملقاة على عاتق رئيس الوزراء الجديد جسيمة ومعقدة، ولكنها ليست مستحيلة. تتطلب قيادة حكيمة، رؤية واضحة، عزيمة صادقة، وفريق عمل متناغم وقادر على تحمل المسؤولية. الشعب السوداني، الذي عانى طويلاً، يتطلع إلى هذه اللحظة التاريخية بأمل وتفاؤل، متمنياً أن تكون بداية عهد جديد من الاستقرار والسلام والتنمية. نسأل الله أن يوفق رئيس الوزراء الجديد في مهمته الصعبة، وأن يكتب الخير والسداد للسودان وأهله.