شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ دعوة إلى حكمة الماء: لماذا يجب على الجالية السودانية في مصر أن تكون جزءًا من الحل؟ ــ بعانخي برس
بعانخي برس

إن أزمة المياه، التي تعد تحديًا عالميًا متناميًا، تكتسب في مصر والسودان أبعادًا خاصة، كونها دولًا تعتمد بشكل كبير على نهر النيل. ومع تزايد الضغوط على الموارد المائية، أصبح ترشيد الاستهلاك ليس مجرد خيار، بل ضرورة حتمية. في هذا السياق، تبرز أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الجالية السودانية المقيمة في مصر في دعم الجهود المصرية لترشيد استهلاك المياه، وذلك ليس فقط كواجب أخلاقي، بل كجزء من مصير مشترك يربط الشعبين الشقيقين.
تعتمد مصر على حصة شبه ثابتة من مياه النيل، بينما يتزايد عدد السكان بوتيرة سريعة. هذه الفجوة المتسعة بين العرض والطلب تضع عبئًا هائلاً على الموارد المائية المحدودة. وفي مواجهة هذا التحدي، تتخذ الحكومة المصرية خطوات جادة، مثل “الخطة القومية للموارد المائية والري (الأمن المائي للجميع) 2050″، التي تركز على محاور أساسية: ترشيد الاستهلاك، تحسين جودة المياه، وتنمية موارد جديدة.
التركيز على هذه المحاور ليس مجرد كلام، بل هو ترجمة لواقع قاسٍ يتطلب حلولًا مبتكرة بمشروعات تهدف إلى إعادة استخدام المياه بشكل آمن، مما يقلل الضغط على الموارد التقليدية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التوجه نحو الري الذكي واستخدام التكنولوجيا الحديثة في مراقبة المجاري المائية يمثل قفزة نوعية في إدارة الموارد. كل هذه الجهود تعكس إدراكًا عميقًا بأن الحفاظ على كل قطرة ماء هو أساس الأمن القومي لمصر.
أزمة المياه ليست قضية حكومية فقط، بل هي قضية مجتمعية تتطلب تكاتف الجهود من كل فرد يعيش على هذه الأرض. إن ترشيد الاستهلاك يبدأ من السلوكيات اليومية البسيطة: تقليل زمن الاستحمام، عدم ترك الصنبور مفتوحًا أثناء غسيل الأطباق أو الأسنان، والحرص على صيانة الأنابيب لتجنب التسرب. هذه الأفعال، التي تبدو صغيرة، عندما تُمارس من قبل الملايين، يكون لها تأثير تراكمي هائل.
هنا يأتي دور الجالية السودانية في مصر. لقد استقبلت مصر الملايين من السودانيين، وفتحت لهم أبوابها، وأصبحوا جزءًا لا يتجزأ من النسيج المجتمعي. هذه الضيافة تحمل في طياتها مسؤولية متبادلة. فكما تستفيد الجالية من الخدمات والموارد المصرية، بما فيها الماء، فإن عليها واجبًا أخلاقيًا واجتماعيًا للمساهمة في الحفاظ على هذه الموارد. إن دعوة الجالية السودانية لترشيد استهلاك المياه ليست تمييزًا، بل هي دعوة للمشاركة في مسؤولية مشتركة، تمامًا كما يشارك كل مصري في هذه الجهود.
إن العلاقة بين الشعبين المصري والسوداني ليست وليدة اليوم، بل هي علاقة تاريخية وثقافية عميقة. يتقاسم البلدان ليس فقط نهر النيل، شريان الحياة، بل أيضًا تاريخًا مشتركًا، ولغة، وعادات. هذا الترابط يفرض أن تكون التحديات والمصالح مشتركة. فما يؤثر على مصر من نقص في المياه، سيؤثر بالضرورة على السودان، والعكس صحيح. إن الأمن المائي لكلا البلدين هو جزء من أمنها القومي المشترك.
لذلك، فإن مساهمة الجالية السودانية في ترشيد استهلاك المياه في مصر لا تقتصر على كونها مبادرة تضامنية، بل هي خطوة استراتيجية في طريق بناء مستقبل آمن ومستدام للجميع. فمن خلال تبني عادات استهلاكية مسؤولة، يمكن للجالية أن تقدم نموذجًا يحتذى به، وتساهم بشكل فعال في تخفيف الضغط على الموارد المائية. هذا الدعم يمكن أن يأخذ أشكالًا متعددة، مثل نشر الوعي بين أفراد الجالية، أو تنظيم حملات توعية في المناطق التي يتركزون فيها، أو ببساطة، تطبيق مبادئ الترشيد في منازلهم ومؤسساتهم.
خلاصة القول: دعوة إلى العمل الجماعي فإن ترشيد استهلاك المياه ليس شعارًا، بل هو أسلوب حياة. والجهود التي تبذلها الحكومة المصرية في هذا الصدد تستحق الدعم والمساندة من جميع المقيمين على أرضها. إن دعوة الجالية السودانية للمشاركة في هذه الجهود هي دعوة للمساهمة في بناء مستقبل مشترك، يقوم على التعاون والاحترام المتبادل.
في النهاية، يظل الماء سر الحياة، وحمايته مسؤولية الجميع. إن مشاركة الجالية السودانية في هذه المعركة ليست مجرد رد للجميل، بل هي تأكيد على روابط الدم والمصير المشترك الذي يجمع بين الشعبين الشقيقين. لنجعل من كل قطرة ماء رسالة حب وتعاون، ولنعمل معًا من أجل مستقبل لا يعرف العطش.