شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ تحديد الهوية البصرية الجديدة لمدينة الخرطوم بعد الحرب: رؤية لمستقبل مشرق ــ بعانخي برس
بعانخي برس

مع ترقب انتهاء الصراع في الخرطوم وعودة الحياة إلى طبيعتها، يبرز تساؤل حيوي وملح: كيف يمكن أن تتشكل الهوية البصرية الجديدة للمدينة؟ هذه الهوية ليست مجرد شعار أو ألوان؛ إنها انعكاس لروح المدينة، وتطلعات سكانها، وتاريخها الغني، ومستقبلها الواعد. إعادة بناء الخرطوم لا تقتصر على إصلاح البنية التحتية، بل تتجاوز ذلك إلى إعادة صياغة صورتها وذاكرتها البصرية التي طالتها ويلات الحرب.
لا يمكن تحديد هوية بصرية مستقبلية دون الغوص في عمق تاريخ الخرطوم وجغرافيتها الفريدة. تقع الخرطوم عند ملتقى النيلين الأزرق والأبيض، هذا الملتقى الذي يرمز إلى الالتقاء والوحدة والتنوع. يجب أن تستلهم الهوية الجديدة من هذه الصورة الأيقونية، مع الأخذ في الاعتبار أن الخرطوم هي مدينة ذات تراث معماري متنوع يعكس فترات تاريخية مختلفة، من العمارة النوبية القديمة إلى الطراز الاستعماري والعمارة الحديثة. الحفاظ على هذه الطبقات التاريخية ودمجها في رؤية عصرية هو تحدٍ وفرصة في آن واحد. يمكن أن تُبرز الألوان المستوحاة من النيل والصحراء، والخطوط التي تجسد حركة النيل، جزءًا أساسيًا من هذه الهوية.
لقد شهدت الخرطوم ويلات الحرب، لكنها أظهرت أيضًا صمودًا لا يلين وأملًا متجددًا. يجب أن تكون الهوية البصرية الجديدة بمثابة شهادة على هذه الروح. يمكن أن تتجسد هذه الروح في عناصر تصميمية تبعث على التفاؤل والإيجابية، مثل الألوان الزاهية التي ترمز إلى النمو والازدهار، أو الرموز التي توحي بالنهوض من الرماد. يجب أن تكون الهوية قادرة على بث الثقة في نفوس سكانها، وإرسال رسالة للعالم بأن الخرطوم قادرة على التعافي والازدهار من جديد. هذه الرسالة يمكن أن تكون قوية بشكل خاص إذا تم دمجها مع قصص النجاح الفردية والجماعية التي تجسد مرونة المجتمع.
الخرطوم مدينة متنوعة ثقافيًا واجتماعيًا، وتضم نسيجًا غنيًا من الأعراق والقبائل والخلفيات المختلفة. يجب أن تعكس الهوية البصرية الجديدة هذا التنوع والتعايش السلمي. يمكن تحقيق ذلك من خلال استخدام رموز أو أنماط تصميمية تعبر عن الوحدة في التنوع، أو من خلال دمج عناصر مستوحاة من الفنون والحرف التقليدية لمختلف المكونات الاجتماعية للمدينة. الهوية يجب أن تكون شاملة، بحيث يشعر كل فرد في الخرطوم بأنه ممثل فيها، وأنها تعكس هويته الثقافية الفريدة.
بينما ننظر إلى الماضي والحاضر، يجب أن تكون الهوية البصرية الجديدة موجهة نحو مستقبل الخرطوم كمدينة عالمية مزدهرة. هذا يعني دمج عناصر حديثة ومبتكرة في التصميم، تعكس التطلعات نحو التكنولوجيا والتقدم والتنمية المستدامة. يجب أن تكون الهوية مرنة بما يكفي لتتكيف مع التغيرات المستقبلية، وقادرة على استيعاب الرؤى الجديدة للمدينة. يمكن أن يشمل ذلك استخدام خطوط عصرية ونظيفة، أو دمج عناصر رقمية، أو التركيز على الاستدامة البيئية كجزء من رسالة الهوية. يجب أن تدعو الهوية إلى الاستثمار وتجذب الزوار، وتعكس صورة الخرطوم كمركز حيوي للابتكار والفرص.
تحديد الهوية البصرية الجديدة للخرطوم ليس بالمهمة السهلة. يتطلب الأمر مشاركة واسعة من المجتمع المدني، والفنانين، والمصممين، و المخططين الحضريين، والسلطات المحلية. يجب أن تكون العملية شفافة وشاملة، وأن تسمح بتبادل الأفكار والرؤى. التحدي يكمن في التوفيق بين الأصالة والمعاصرة، وبين التراث والابتكار. ومع ذلك، فإن هذه العملية تمثل فرصة ذهبية لإعادة تعريف الخرطوم ليس فقط في عيون سكانها، بل في أعين العالم أجمع.
إن الهوية البصرية الجديدة للخرطوم هي أكثر من مجرد علامة تجارية؛ إنها وعد. وعد بمستقبل أفضل، بمدينة تعافت من جروحها، ونهضت أقوى وأكثر جمالًا وتنوعًا. وهي فرصة لبناء سردية بصرية تليق بتاريخها العظيم، وتطلعاتها اللامحدودة.