راي

شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة- مصر Ghariba2013@gmail.com ــ بارا: مفتاح استراتيجي ونقطة تحول في معركة السودان ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

تُعدّ الحرب الدائرة في السودان واحدة من أكثر النزاعات تعقيدًا في التاريخ الحديث، حيث تتداخل فيها الجغرافيا، السياسة، والتاريخ لتُشكّل لوحةً من المعارك التي تُحدّد مستقبل البلاد. وفي خضم هذه المعارك، تبرز بعض النقاط الجغرافية التي لا تُمثل مجرد مساحات على الخريطة، بل هي محاور استراتيجية تُغيّر موازين القوى وتُحسِم مسار الحرب. مدينة بارا في ولاية شمال كردفان هي إحدى هذه النقاط، وربما تكون الأكثر أهمية في هذه المرحلة.
إنّ السيطرة على بارا ليست مجرد انتصار تكتيكي أو مكسب عسكري عابر للقوات المسلحة السودانية، بل هي خطوة استراتيجية تُعيد تعريف المشهد الأمني والعسكري في البلاد. لقد كانت بارا، بحكم موقعها، بمثابة نقطة انطلاق للمهددات الأمنية التي كانت تستهدف العاصمة الخرطوم، وبالأخص مدينة أمدرمان. كانت المسيرات الانتحارية تُطلق من هذه المنطقة، وتُهدّد حياة المدنيين والمواقع الحيوية. كما كانت القرى الآمنة الواقعة غرب شريط النيل الأبيض تُعاني من التعديات المستمرة. مع استعادة الجيش والقوات المشتركة لبارا، تُطوى هذه الصفحة من التهديدات، وتُصبح العاصمة أكثر أمانًا، ويشعر المواطنون في تلك القرى بالاطمئنان بعد سنوات من الخوف.
تُعرف مدينة بارا بكونها “صرّة” الإقليم الغربي الكبير، الذي يضمّ كردفان ودارفور. هذا الوصف ليس مجرد استعارة، بل هو حقيقة استراتيجية. بارا هي نقطة ربط محورية بين شمال السودان وغربه، وتتحكم في طرق الإمداد الرئيسية. السيطرة عليها من قبل الجيش تعني قطع شرايين الإمداد عن قوات التمرد في الإقليم، وعزلهم عن الصحراء المفتوحة التي كانت تُوفّر لهم ملاذًا آمنًا وطريقًا لتلقي الدعم. هذا العزل ليس له تأثير لوجستي فقط، بل له تأثير معنوي ونفسي عميق.
عندما تُحاصر قوات التمرد وتُقطع عنها خطوط الإمداد، تُصبح في موقف دفاعي ضعيف، وتتلاشى قدرتها على شنّ الهجمات. هذا الموقف يُغري القبائل والمجموعات المحلية، التي كانت تُعاني من بطش التمرد، إلى إعلان موقفها خلف الجيش. إنّ الثقة في قدرة الجيش على حماية المدنيين واستعادة الأمن تُعزّز من موقفه، وتُشجّع على الانضمام إلى صفوفه، مما يُسرّع من وتيرة التقدم ويُقلّل من الخسائر.
تُمثل خسارة بارا ضربة موجعة للمليشيا، ولذلك كانت ردود أفعالهم مليئة بالبكاء والنواح، كما يُقال. هذا البكاء ليس على مجرد مدينة، بل هو على خسارة مركز استراتيجي يُعدّ مفتاحًا لعملياتهم في الإقليم. لقد كانت بارا تُوفّر لهم قاعدة انطلاق آمنة لعملياتهم في كردفان ودارفور، وكانت تُسهّل عليهم السيطرة على المناطق المحيطة بها. مع سقوطها، تُصبح خططهم أكثر تعقيدًا، وتُصبح قواتهم في وضع حرج.
هذا الانتصار يرفع من معنويات الجيش السوداني ويُعزّز من ثقة الشعب فيه. لقد أظهرت عملية استعادة بارا أنّ الجيش قادر على التخطيط الاستراتيجى وتنفيذ عمليات معقدة لتحقيق أهدافه. إنّ هذا الإنجاز ليس نهاية المطاف، ولكنه بداية لمرحلة جديدة من الحرب، يُرجّح فيها كفة الجيش، وتُصبح النصر أقرب من أي وقت مضى.
رغم هذا الانتصار الكبير، لا يمكن تجاهل التحديات المستقبلية. فـ تأمين بارا بشكل كامل يتطلب تأمين الطرق المؤدية إليها، لمنع أي محاولات من المليشيا لاستعادتها. كما أنّ هذا الإنجاز قد يزيد من حدة المعارك في المناطق المجاورة مثل دارفور وغرب كردفان، حيث ستُحاول المليشيا تعويض خسارتها. لكن الأهم من ذلك، هو ضرورة إعادة الخدمات الأساسية للسكان، وإصلاح البنية التحتية المتضررة. إنّ دعم السكان المحليين للجيش يُعدّ ركيزة أساسية لتحقيق النصر الكامل، وهذا الدعم لا يأتي إلا من خلال توفير الأمن والاستقرار والخدمات الأساسية.
في الختام، تُثبت معركة بارا أنّ الجغرافيا لا تزال تلعب دورًا حاسمًا في الحروب. فمدينة صغيرة قد تكون مفتاحًا لتحرير إقليم بأكمله، ونقطة تحول في صراع طويل ومعقد. إنّ استعادة بارا هي انتصار للجيش، وللشعب السوداني، وخطوة هامة نحو إعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى