راي

شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ اليوم العالمي للطيور المهاجرة ورسالة السودان المكلومة ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

يُعدّ اليوم العالمي للطيور المهاجرة، الذي يُحتفل به عالمياً في ثاني سبت من شهر أكتوبر، أكثر من مجرد مناسبة بيئية؛ إنه دعوة للتأمل في روعة الحياة البرية و قدرتها المذهلة على تحدي الطبيعة والمسافات. في هذا اليوم، تتجه الأنظار إلى ملايين المخلوقات الريشية التي تخوض رحلات سنوية شاقة، عابرة للقارات والمحيطات، في دورة حياة أزلية تُجسّد التوازن البيئي على كوكبنا. لكن، بينما نحتفل بهذه الملحمة البيولوجية، تُلقي علينا الأحداث الجارية في مناطق النزاع، وعلى رأسها السودان، بظلال من الحزن والقلق، لتُحوّل الاحتفال إلى صرخة صامتة تُنادي بإنهاء الكارثة.
لطالما مثّل السودان نقطة وصل حيوية، أو ما يُعرف بـ “عنق الزجاجة” في مسارات هجرة عشرات الأنواع من الطيور القادمة من أوروبا وآسيا إلى قلب أفريقيا وبالعكس. لا تُدرك هذه الطيور الحدود السياسية؛ هي تُدرك فقط احتياجها لمواقع جغرافية متنوعة، من سهول السافانا الشاسعة إلى الأراضي الرطبة الغنية، لتكون محطات استراحة وغذاء رئيسية. فأنواع مثل اللقلق الأبيض، والبجع، والبط، والأوز، والطيور المغردة الصغيرة، جميعها تعتمد على سلامة الأجواء السودانية وموائلها لإعادة شحن طاقتها واستكمال رحلتها الطويلة التي تحمل معها الأمل في استمرار دورة الحياة الطبيعية.
إن أهمية السودان لا تقتصر على كونه ممراً فقط، بل هو أيضاً ملاذ آمن يضمن وصول هذه الطيور إلى وجهاتها بأقل خسائر ممكنة. إن سلامة هذا الممر هي جزء لا يتجزأ من الحفاظ على التنوع البيولوجي الإقليمي والعالمي.
مع اندلاع شرارة الصراع المسلح في السودان، تحول هذا الملاذ الآمن إلى مسرح لكارثة بيئية صامتة. تتعدد أوجه التأثير الكارثي للحرب على هذه الكائنات البريئة، لتتجاوز آثارها المباشرة معاناة الإنسان وتمثل فى التدمير المباشر للموائل الطبيعية، فتؤدي العمليات العسكرية المباشرة إلى تدمير لا يُعوّض للموائل. القصف العشوائي، وحرق الأراضي الزراعية والغابات، فضلاً عن التوسع العمراني غير المخطط له نتيجة للنزوح، كلها عوامل تقضي على المناطق الحيوية التي تعتمد عليها الطيور في التكاثر والتغذية والراحة. كما أن البحيرات والأنهار، وهي مصادر حيوية للمياه والغذاء، تتعرض للتلوث نتيجة للمخلفات والعمليات العسكرية، مما يُقلل بشكل كارثي من قدرتها على استيعاب أعداد الطيور المهاجرة.
يُشكّل الضجيج المستمر للأسلحة والتحركات العسكرية اضطراباً هائلاً في سلوك الطيور. الطيور، بطبيعتها الحذرة والحساسة، تهجر المناطق الصاخبة وغير الآمنة، مما يجبرها على تغيير مسارات هجرتها المعروفة. هذا التغيير القسري قد يدفعها إلى مسارات أطول وأكثر خطورة أو يمنعها من الوصول إلى مصادر الغذاء والماء الكافية في الوقت المناسب، مما يؤدي إلى ضعفها وهلاكها بأعداد كبيرة دون أن يرصدها أحد.
توقفت أو تضاءلت بشكل كبير جهود المراقبة والبحث العلمي التي كانت تُبذل قبل الحرب لحماية الطيور المهاجرة وموائلها، مما يترك هذه الكائنات عرضة للمخاطر دون أي رصد أو تدخل. والأخطر من ذلك، هو أن أوقات الاضطرابات والفوضى تشهد عادةً تزايداً في الصيد الجائر، حيث تُستهدف الطيور لأغراض الغذاء أو التجارة غير المشروعة، مما يُشكل تهديداً إضافياً وقاتلاً.
إن اليوم العالمي للطيور المهاجرة هو تذكير بأن تأثير الحرب في السودان لا يقتصر على الأرواح البشرية والمعاناة الإنسانية فحسب، بل يمتد ليشمل النظام البيئي بأكمله. فالطيور المهاجرة ليست مجرد كائنات جميلة تزين سماءنا؛ هي مؤشرات حيوية على صحة كوكبنا وسلامة بيئتنا. عندما تتعثر هذه الطيور وتتعرض للمخاطر، فإنها تُرسل رسالة تحذير صارخة حول التهديد الذي يواجه التوازن البيئي العالمي، الذي هو جزء لا يتجزأ من تراثنا المشترك.
إن مسؤولية حماية هذه الطيور وموائلها تقع على عاتق المجتمع الدولي بأسره. لا يمكن فصل حماية التنوع البيولوجي عن السعي لإنهاء الصراعات. يتطلب الأمر ضغطاً متواصلاً لإنهاء الصراع في السودان، ودعماً عاجلاً للمبادرات البيئية التي تسعى إلى حماية وإعادة تأهيل الموائل الطبيعية. حماية الطيور المهاجرة هي جزء لا يتجزأ من حماية مستقبلنا، فليست صرختها الصامتة في سماء مضطربة سوى نداء للحياة والسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى