شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ السودان: أولوية في إعادة الإعمار البشري ــ بعانخي برس
بعانخي برس

يُعد الحادي عشر من يوليو من كل عام مناسبة عالمية لتسليط الضوء على قضايا السكان والتنمية، وهو اليوم العالمي للسكان. هذا اليوم، الذي أطلقته الأمم المتحدة في عام 1989 بعد تجاوز عدد سكان العالم حاجز الخمسة مليارات نسمة، ليس مجرد احتفال روتيني، بل هو دعوة ملحة للتحرك الواعي تجاه العلاقة المعقدة بين النمو السكاني، والصحة، والبيئة، والفقر. وفي خضم التحديات العالمية، يكتسب هذا اليوم أهمية مضاعفة عند الحديث عن دول تمر بمراحل حساسة كالتعافي من الصراعات، والسودان خير مثال على ذلك.
بينما تتغير القضايا المطروحة في اليوم العالمي للسكان كل عام لتشمل تحديات الشيخوخة أو قضايا الشباب أو الهجرة أو العدالة بين الجنسين، تبرز في السودان ضرورة التركيز على الإنسان كركيزة أساسية لعملية إعادة الإعمار والتعافي بعد سنوات الحرب المريرة. إن الاهتمام بالمواطنين السودانيين في هذه المرحلة لا يقتصر على توفير المأوى والغذاء فحسب، بل يمتد ليشمل بناء القدرات البشرية واستعادة النسيج المجتمعي.
إن فهم التغيرات الديموغرافية في السودان أمر بالغ الأهمية لواضعي السياسات لتخطيط بنية تحتية مستدامة، وتوزيع الموارد بشكل عادل، وتقدير الاحتياجات المستقبلية. لقد تركت الحرب ندوبًا عميقة على السكان، حيث تسببت في نزوح داخلي واسع النطاق، ولجوء خارجي، وتفكك أسر، وتدهور في الخدمات الأساسية. ولذلك، يجب أن تكون إعادة الإعمار في السودان مدفوعة بفهم عميق لهذه الديناميكيات السكانية.
في مرحلة التعافي، يجب أن تركز الجهود على عدة محاور حاسمة لضمان مستقبل أفضل للمواطنين السودانيين ومنها الصحة والخدمات الإنجابية، يُعد الوصول إلى الخدمات الصحية، وخاصة للنساء والفتيات، حجر الزاوية في أي عملية تعافٍ مستدامة. فالحرب غالبًا ما تدمر البنية التحتية الصحية وتحد من وصول السكان للرعاية الأساسية، مما يزيد من معدلات الوفيات والأمراض. لذا، يجب أن تُعطى الأولوية لإعادة بناء وتجهيز المرافق الصحية، وتوفير الكوادر الطبية المدربة، وتأمين الإمدادات الدوائية.
التعليم وبناء القدرات، فالتعليم هو مفتاح المستقبل، وبخاصة للشباب الذين يشكلون شريحة كبيرة من سكان السودان. الاستثمار في التعليم، من خلال إعادة فتح المدارس والجامعات وتوفير فرص التعلم البديلة، سيمكن الشباب من اكتساب المهارات اللازمة للمساهمة في بناء بلادهم. يجب أيضًا التركيز على برامج الدعم النفسي والاجتماعي لمساعدة المتضررين من الحرب على تجاوز الصدمات.
الفرص الاقتصادية المستدامة، لضمان التعافي، لا بد من توفير فرص عمل مستدامة، خاصة للفئات الأكثر تضررًا. هذا يشمل دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع الاستثمار، وتأهيل القوى العاملة للاندماج في سوق العمل المتغير. إن تمكين الأفراد اقتصاديًا يساهم في استقرار الأسر والمجتمعات ككل.
العدالة الاجتماعية والمصالحة، لتحقيق تعافٍ حقيقي، يجب أن تُبنى عملية إعادة الإعمار على أسس العدالة الاجتماعية والمصالحة. معالجة جذور الصراع وتضميد الجراح المجتمعية أمر ضروري لضمان عدم تكرار العنف.
إن اليوم العالمي للسكان هو تذكير سنوي بأهمية الاستثمار في الإنسان، والتخطيط الذكي للمستقبل. بالنسبة للسودان، لا يقتصر الأمر على مجرد الأرقام والإحصاءات، بل يتعلق بكرامة الإنسان، وقدرته على العيش بسلام، والمساهمة في بناء مجتمع مزدهر. إن التزام الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني بدعم المواطنين السودانيين في هذه المرحلة الحاسمة سيحدد مسار مستقبلهم.
فهل نغتنم هذه المناسبة لتجديد الالتزام بدعم الشعب السوداني في رحلة تعافيه، لضمان مستقبل عادل وآمن ومستدام للجميع؟