راي

شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ التعافي من رماد الحرب: لماذا يجب على المؤسسات السودانية أن تتبنى إدارة الأزمات الاستباقية ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

 

لقد أثبتت تجربة الحرب الأخيرة في السودان بما لا يدع مجالًا للشك أن الأزمات ليست مجرد أحداث عابرة، بل هي قوى تُغير مسار المجتمعات والمؤسسات. لم يكن تأثيرها مقتصرًا على الخسائر المادية والبشرية، بل امتد ليشمل تعطلًا شبه كامل في كافة أشكال الحياة. وفي خضم هذا الواقع المرير، تبرز الحاجة الملحة للمؤسسات السودانية، بمختلف أنواعها، إلى تبني نهج استباقي في إدارة الأزمات، بدلًا من الاكتفاء بردود الفعل. إنها ليست مجرد رفاهية إدارية، بل ضرورة قصوى للنجاة والتعافي.
تُعرف الأزمة بأنها موقف أو حدث قوي يتحدى إرادة الفرد أو المؤسسة ويُجبرها على التكيف مع واقع جديد. إنها ليست بالضرورة حدثًا كارثيًا ضخمًا، بل قد تكون أزمة نفسية كفقدان عزيز أو فشل، أو أزمة تقنية كانقطاع التيار الكهربائي أو تعطل نظام تكنولوجيا المعلومات. وعلى الرغم من اختلاف طبيعة الأزمات، إلا أن القاسم المشترك بينها هو أنها تتطلب خطة فعالة ومدروسة لمواجهتها. هذا ما يُطلق عليه “خطة إدارة الأزمات” (Crisis management plan).
إن هذه الخطة ليست برنامجًا مفصلًا بخطوات جامدة، بل هي أداة مرجعية مرنة. تُشبه دليل الطوارئ الذي يحتوي على قوائم معلومات، جهات اتصال رئيسية، ونماذج توثيق. يتطلب الأمر وجود إدارة متخصصة للأزمات داخل كل مؤسسة، مكونة من مدير أزمات وفريق عمل مدرب ومستعد دائمًا للتحديث والتطور.
إن التخطيط للأزمات قبل وقوعها يُعد حجر الزاوية في إدارتها بفعالية. نحن نعيش في عصر يتسم بالمتغيرات السريعة وغير المتوقعة، والتكنولوجيا التي أصبحت سلاحًا ذو حدين. لذلك، فإن التخطيط الجيد يمنح المؤسسات القدرة على التنبؤ بالأزمات المحتملة، سواء على المدى القريب أو البعيد.
تتضمن مرحلة ما قبل الأزمة عدة خطوات أساسية خاصة بالتنبؤ والتوقعات بوضع سيناريوهات محتملة للأزمات وتحديد طرق التغلب عليها، والإجراءات الوقائية مع إتخاذ خطوات استباقية لمنع وقوع الأزمات من الأساس، والاستعداد وتدريب الأفراد على التعامل مع الأحداث الطارئة وتجهيز المعدات والأدوات اللازمة، مع نشر الوعي بعقد ورش عمل ودورات تدريبية لرفع كفاءة العاملين وزيادة وعيهم بأهمية إدارة الأزمات، وتطوير نظم وآليات لرصد التهديدات المحتملة والإنذار المبكر بوقوعها، مع تجهيز غرف العمليات بانشاء غرف تحكم مجهزة بأحدث أجهزة الاتصال لإدارة الأزمة في حال وقوعها.
عندما تقع الأزمة، تبدأ المرحلة الثانية: المواجهة والاحتواء. في هذه المرحلة، يتم تفعيل الخطط والسيناريوهات المُعدة مسبقًا، وتُنفذ أعمال المواجهة والإغاثة، ويتم متابعة الموقف بشكل مستمر لتقييم تطوراته. هذه السرعة في الاستجابة تُقلل من حجم الخسائر وتُساهم في السيطرة على الوضع بشكل أسرع.
بعد السيطرة على الأزمة، تأتي المرحلة الثالثة: التوازن والتعافي. هذه هي المرحلة التي تُعنى بحصر الخسائر٧ وإعادة البناء والإعمار. لا يقتصر الأمر على إصلاح الأضرار المادية، بل يشمل أيضًا إعادة تأهيل الأفراد والمؤسسات. وفي هذه المرحلة، تُقيّم الإجراءات التي اتُخذت خلال الأزمة، وتُوثق الدروس المستفادة لتكون مرجعًا للمستقبل.
لقد كانت الحرب في السودان بمثابة أزمة مُركبة، كشفت عن نقاط الضعف في العديد من المؤسسات التي لم تكن مُعدة لمواجهة مثل هذا الحدث الجلل. إن بناء خطط استباقية لإدارة الأزمات الآن ليس مجرد توصية، بل هو خطوة حيوية لضمان استمرارية المؤسسات وقدرتها على الصمود في وجه التحديات المستقبلية.
يجب على قادة المؤسسات في السودان أن يتعلموا من الماضي وأن يدركوا أن الاعتماد على ردود الفعل لن يُمكنهم من تجاوز الأزمات القادمة. إن الاستثمار في إدارة الأزمات هو استثمار في المستقبل. إنه استثمار في قدرة المؤسسة على حماية موظفيها وأصولها، وضمان استمرارية أعمالها، والمساهمة في بناء سودان جديد أكثر صلابة ومرونة. إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل تستثمر المؤسسات السودانية في بناء هذه الحصون المنيعة، أم ستظل تنتظر الأزمة القادمة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى