شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ التشجير في زمن الحرب: دعوة للسلام والأمل ــ بعانخي برس

في خضم الصراعات التي تعصف بالبلاد وخاصة المدينة الآمنة الابيض، تأتي مبادرة تشجير مدينة الأبيض كشعلة أمل تنير دروب اليأس وتدعو إلى السلام. إنها ليست مجرد حملة لزراعة الأشجار، بل هي رسالة عميقة تحمل في طياتها الكثير من المعاني والدلالات، وتؤكد على أن الحياة أقوى من الموت، وأن البناء سيحل محل الدمار.
المبادرة التي دُشنت بمدينة الأبيض بمشاركة واسعة من مختلف القوى الفاعلة في المجتمع، من القوات المسلحة والشرطة إلى الهيئات الشبابية والطلابية ومنظمة الخريجين، ليست حدثًا عابرًا. بل هي فعل واعٍ يهدف إلى إعادة إعمار ما دمرته الحرب، ليس فقط على مستوى الغابات والبساتين، بل أيضًا على مستوى الروح الإنسانية التي أنهكتها الصراعات. عندما يشارك الشباب والجنود والمواطنون معًا في غرس شجرة، فإنهم لا يزرعون بذرة في الأرض فحسب، بل يزرعون أيضًا بذرة أمل في مستقبل أفضل، مستقبل خالٍ من العنف والنزاعات.
شعار المبادرة، “دعوا الأشجار تنمو لننعم بالسلام”، يختصر الحكاية كلها. فنمو الشجرة يرمز إلى نمو الحياة والازدهار والهدوء، بينما الدمار الذي تخلفه الحرب يعادل اجتثاثها. إن زراعة الأشجار في المدارس والشوارع والمستشفيات، كما هو مخطط له، يرسل رسالة واضحة للمجتمع بأن الحياة تستمر، وأن التعليم والصحة هما الأساس الذي يجب البناء عليه. إنها دعوة للعودة إلى الفطرة، وإلى الطبيعة التي تمنحنا السلام والسكينة.
كانت ومازالت احتفالات عيد الشجرة في مدينة الأبيض جزء من سيرة المدينة، رافقتنا منذ سبعينيات القرن الماضي، في زمن دراستنا الدراسية المختلفة، وكانت هذه التجربة المجتمعية الرائدة من الإنجازات الرائدة للدكتور الفاتح النور ليرحمه الله، وواحدة من بصماته في تاريخ المدينة. ولا تزال بعض أشجار النيم والأشجار المثمرة التي زرعناها في منازلنا بمدينة الأبيض تقف شامخة مخضرة ومثمرة، شاهدة على نجاح مشروع عيد الشجرة وأهميتها البيئية.
بمشاركة مختلف الأطياف في هذه الحملة يعكس وحدة المجتمع وتكاتفه في مواجهة الأزمات. فعلى الرغم من كل الاختلافات، يجتمع الناس حول قضية واحدة نبيلة، ألا وهي إعادة الحياة إلى طبيعتها. هذه المبادرة تذكرنا ايضا، بأن الحلول الجذرية للأزمات لا تكمن فقط في المفاوضات السياسية أو القرارات العسكرية، بل تكمن أيضًا في الأفعال الصغيرة والبسيطة التي يقوم بها الأفراد لخدمة مجتمعاتهم.
إن غرس الأشجار هو فعل يتجاوز الحاضر إلى المستقبل. فالشجرة التي تُغرس اليوم تنمو لتمنح الظل والأكسجين لأجيال قادمة، وهذا يشبه تمامًا السعي من أجل السلام الذي يهدف إلى بناء مستقبل مستقر ومزدهر للأجيال القادمة. إنها مبادرة تعيد إحياء الأمل في القلوب وتؤكد أن السلام ليس مجرد حلم بعيد المنال، بل هو واقع يمكن تحقيقه من خلال العمل الجاد والمشترك.
دعونا فور عودتنا الطوعية لديارنا بزراعة شجرة على الأقل، واسمها (شجرة الكرامة)، لتكون شاهدة على ما حدث في فترات النزوح والجوء و مسارات حرب الكرامة.