شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ أزمة العودة الطوعية: نداءات استغاثة في صمت رقمي ــ بعانخي برس
بعانخي برس

كشفت مبادرة العودة الطوعية للسودانيين من مصر، التي أطلقتها مشكورة منظومة الصناعات الدفاعية بالتعاون مع السفارة السودانية بالقاهرة والحكومة المصرية ممثلة في وزارة النقل مع التنسيق مع الجهات الرسمية الامنية المصرية، عن أزمة حقيقية تفاقمت مع مرور الوقت، مُخلفةً وراءها مئات العائلات في حالة من الارتباك واليأس. فرغم أن المبادرة تهدف إلى تخفيف المعاناة عن النازحين في ظروف إنسانية صعبة، إلا أن آليتها التنظيمية فشلت في تحقيق هذا الهدف، بل أثارت حالة من الفوضى والشكوك.
إن مشكلة عدم الاستجابة على الرقم المخصص للتسجيل ليست مجرد عطل فني عابر، بل هي مؤشر خطير على غياب التنسيق والشفافية. عندما يتم الإعلان عن مبادرة بهذا الحجم، يصبح التواصل الفعال هو عمودها الفقري. فالمواطنون الذين تركوا كل شيء خلفهم بحثًا عن الأمان، يضعون أملهم في هذه المبادرة. وعندما يجدون أنفسهم أمام “صمت رقمي” تام، يتصاعد لديهم شعور بالإحباط وفقدان الثقة، خاصةً وأن مئات الرسائل والمكالمات لا تجد أي رد. هذا الفشل في التواصل لا يؤدي فقط إلى إرباك الأسر، بل يفتح الباب على مصراعيه أمام استغلالهم من قبل سماسرة وجهات مشبوهة تدعي القدرة على تنظيم هذه الرحلات مقابل المال.
النداءات العاجلة التي وجهتها الجالية السودانية إلى السفارة والمنظومة الدفاعية ليست مجرد شكاوى، بل هي خارطة طريق واضحة لحل هذه الأزمة. فالمقترحات التي طرحتها الجالية تتميز بالعملية والشفافية، وتستهدف معالجة القصور الجذري في آلية التسجيل.
تفعيل الرد الفوري أو توفير أرقام إضافية: هذا الحل البسيط يمكن أن ينهي حالة “الصمت الرقمي” التي يواجهها المواطنون، ويمنحهم شعورًا بأن هناك من يستمع إليهم.
إطلاق بوابة إلكترونية للتسجيل: يعد هذا المقترح حلاً عصريًا وفعالاً، فهو يضمن الشفافية والعدالة في التسجيل. من خلال منصة إلكترونية، يمكن للجميع الاطلاع على الإجراءات، ومتابعة حالة طلباتهم، مما يقلل من احتمالات التلاعب والاستغلال.
تخصيص مراكز تسجيل ثابتة: هذا المقترح ضروري للتغلب على التحديات اللوجستية، فهو يخدم الأسر التي لا تملك وصولاً سهلاً إلى الإنترنت أو الهواتف الذكية. وجود مراكز تسجيل ثابتة يضمن أن الفرصة متاحة للجميع، بغض النظر عن ظروفهم.
بيان المنظومة الدفاعية الذي يؤكد على ضرورة التسجيل المسبق هو خطوة إيجابية، ولكنه لا يحل المشكلة الأساسية. فالأسر التي وصلت إلى محطة رمسيس دون تسجيل لم تفعل ذلك استخفافًا بالقوانين، بل لأنها لم تجد آلية واضحة للتسجيل أو لأنها لم تحصل على رد.
إن تضارب المعلومات، وغياب التنسيق، وعدم وضوح الإجراءات يضع الأسر في موقف حرج. لذا، فإن المطالبة بالشفافية ليست ترفًا، بل هي ضرورة قصوى. على السلطات السودانية المعنية أن توضح بشكل رسمي ودقيق: هل ما تزال الرحلات متاحة للجميع؟ أم تم الاكتفاء بعدد معين؟ وما هي المعايير التي يتم على أساسها اختيار المسجلين؟
إن الإجابة على هذه التساؤلات، وتطبيق المقترحات التي قدمتها الجالية، يمكن أن يعيد الثقة في المبادرة، ويُنهي حالة التخبط التي يعيشها مئات المواطنين، ويضمن أن المبادرة تحقق هدفها الإنساني السامي.