راي

شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر ــ Ghariba2013@gmail.com صرخة معلم: وحشية الدعم السريع تلطخ السودان ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

في سكون الليل المطبق على السودان، وقبل أن يلوح فجر يوم جديد محملاً بآمال زائفة، أُعلن عن جريمة أخرى تضاف إلى سجل الانتهاكات المروعة التي ترتكبها مليشيات الدعم السريع. هذه المرة، الضحية ليس جندياً في ساحة المعركة، ولا مدنياً قُتل برصاصة طائشة، بل هو معلم، نور يضيء دروب المعرفة، وإنسانٌ لا ذنب له سوى أنه وجد نفسه في قبضة وحوشٍ تجردت من كل معاني الإنسانية. المعلم إبراهيم تارا، معلم الكيمياء بالمرحلة الثانوية في محلية أم بدة، فارق الحياة في معتقل تابع لقوات الدعم السريع، بعد أن تعرض لأبشع أنواع التعذيب والتجويع، في مشهدٍ يعكس مدى الانحطاط الأخلاقي الذي وصلت إليه هذه المليشيات.
ما حدث للمعلم تارا ليس مجرد حادث فردي يمكن طيه في سجلات النسيان. إنه صرخة مدوية في وجه الظلم، ونداء عاجل لكل ضمير حي في السودان والعالم. إن قصة وفاته، كما كشفت عنها لجنة المعلمين السودانيين، تتجاوز حدود الجريمة المعتادة. فقد تعرض الرجل للتعذيب الشديد، وظهر في فيديو مصور بحالة إنسانية يرثى لها، بادية عليه بوضوح آثار التعذيب والجوع والإهمال. والأكثر إيلاماً أن الدعم السريع طالبت أهله بفدية مالية مقابل إطلاق سراحه، ورغم دفع الفدية، لم يُطلق سراحه، ليُفجع الجميع لاحقاً بنبأ وفاته. هذه ليست ممارسات ميليشيا تسعى للسيطرة على السلطة، بل هي أفعال عصابات إجرامية لا تلتزم بأي قانون أو عرف، وتتغذى على الألم والخوف.
إن استهداف المعلمين، الذين يمثلون أساس بناء الأمم ومستقبلها، هو استهداف لمستقبل السودان بأكمله. إنهم ليسوا طرفاً في النزاع، بل هم بناة الأجيال، وغرسوا بذور الأمل والعلم في نفوس الشباب. وعندما يُسجن معلم ويُعذب حتى الموت بهذه الطريقة الوحشية، فإن رسالة واضحة تُبعث إلى كل من يحمل قلماً أو كتاباً في هذا الوطن: لا أمان لكم، ولا حصانة لكرمتكم، ولا احترام لمهنتكم. هذا الترويع الممنهج للمعلمين يدفعنا للتساؤل عن أي مستقبل ينتظر أطفالنا وشبابنا في ظل هذه الظروف.
إن المسؤولية لا تقع على عاتق مليشيات الدعم السريع وحدها، بل تمتد لتشمل كل من يصمت عن هذه الجرائم، أو يتجاهلها، أو يبررها. الصمت في وجه الظلم تواطؤ، والتجاهل تواطؤ، والتبرير مشاركة في الجريمة. لذا، فإن دعوة لجنة المعلمين السودانيين للإعلاميين السودانيين، وعلى مستوى الإقليم والعالم، للتنديد بهذه الجريمة، هي دعوة في محلها وتأتي في وقتها المناسب. يجب أن ترتفع الأصوات، وتُفضح هذه الممارسات اللاإنسانية، وتُسلط الأضواء على وحشية الدعم السريع.
يجب على الإعلام السوداني، الذي يعيش في قلب هذه المأساة، أن يتحمل مسؤوليته الكاملة في فضح هذه الجرائم. لا يمكن أن يمر مقتل معلم بهذه الطريقة المروعة مرور الكرام. يجب أن يكون هذا الحادث نقطة تحول في طريقة تناول الإعلام للأزمة السودانية، وأن يركز على معاناة المدنيين، وعلى الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، وأن يكون صوت من لا صوت لهم.
في الختام، إن مقتل المعلم إبراهيم تارا هو جرح غائر في جسد السودان، ونداء أخير للصحوة. يجب على المجتمع الدولي، والمنظمات الحقوقية، وكل من يؤمن بقيم العدالة والإنسانية، أن يتحرك لوقف هذه الانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين عنها، وضمان عدم تكرارها. فدم المعلم تارا، ودماء كل الأبرياء الذين سقطوا ضحايا لهذه الميليشيات، لن تذهب سدى. إنها ستظل لعنة تطارد القتلة، ووصمة عار تلطخ جبين من صمت عنهم، ونوراً يضيء دروب المطالبة بالعدالة حتى تتحقق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى