راي

شئ للوطن ــ صلاح غريبة – مصر ــ Ghariba2013@gmail.com ــ التعامل مع حرب المسيرات التي تستهدف البنية التحتية: رؤية استراتيجية شاملة ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

يشهد السودان فصلاً جديداً ومقلقاً في صراعه الدائر، يتمثل في الاستخدام المتزايد والفعال للطائرات المسيرة من قبل قوات الدعم السريع لاستهداف البنية التحتية الحيوية في البلاد. هذه الهجمات، التي تتسم بدقتها النسبية وقدرتها على تجاوز الدفاعات التقليدية، تمثل تهديداً وجودياً للدولة السودانية ومستقبل شعبها، وتستدعي رداً استراتيجياً شاملاً ومتعدد الأوجه.
إن التعامل مع حرب المسيرات لا يقتصر على مجرد إسقاط هذه الطائرات، بل يتطلب فهماً عميقاً لطبيعة هذا التهديد، وتطوير استراتيجيات دفاعية وهجومية متكاملة، بالإضافة إلى معالجة الأبعاد السياسية والاقتصادية والإنسانية لهذه الحرب.
يمثل تطوير وتعزيز قدرات منظومة دفاعية قوية ومتعددة الطبقات الأولوية القصوى. يجب أن تشمل هذه المنظومة أنظمة رادار متطورة قادرة على اكتشاف وتتبع الطائرات المسيرة الصغيرة والمنخفضة الارتفاع بدقة عالية وفي مختلف الظروف الجوية، مع توفير تقنيات التشويش الإلكتروني لتعطيل أنظمة التحكم والتوجيه في الطائرات المسيرة وإجبارها على الهبوط أو الانحراف عن مسارها، بجانب توفر أسلحة مضادة للطائرات قصيرة ومتوسطة المدى قادرة على الاشتباك الفعال مع الطائرات المسيرة وتدميرها،ودمج الأنظمة الدفاعية بربط مختلف الأنظمة الدفاعية بشبكة قيادة وسيطرة موحدة لضمان التنسيق الفعال وسرعة الاستجابة، وبناء كوادر عسكرية وفنية مؤهلة لتشغيل وصيانة هذه الأنظمة والتعامل مع التهديدات المتغيرة.
المطلوب تبني استراتيجية استباقية وهجومية، فالاكتفاء بالدفاع لن يكون كافياً لوقف حرب المسيرات. يجب تبني استراتيجية استباقية تهدف إلى تحديد وتدمير مصادر إطلاق المسيرات من خلال الاستخبارات الدقيقة والعمليات الخاصة التي تستهدف مواقع تصنيع وتخزين وإطلاق المسيرات التابعة لقوات الدعم السريع، بجانب استهداف قادة وممولي برنامج المسيرات لتقويض قدرة الدعم السريع على تطوير وتوسيع نطاق استخدام هذه الأسلحة، واستخدام القدرات الهجومية الخاصة بالقوات المسلحة لتوجيه ضربات دقيقة ومحددة ضد أهداف استراتيجية تابعة للدعم السريع، مع الالتزام بقواعد الاشتباك وتجنب إلحاق الضرر بالمدنيين.
ثم المطلوب معالجة الأبعاد السياسية والاقتصادية والإنسانية، فلا يمكن فصل الجانب العسكري عن الجوانب الأخرى في التعامل مع حرب المسيرات، فيجب تكثيف الجهود الدبلوماسية والإقليمية والدولية للضغط على قوات الدعم السريع لوقف استخدام الطائرات المسيرة في استهداف البنية التحتية والمدنيين، وتأكيد ضرورة الالتزام بقواعد الحرب والقانون الدولي الإنساني، وتتطلب حماية البنية التحتية الحيوية تخصيص موارد مالية كبيرة لتعزيز الدفاعات وإصلاح الأضرار الناجمة عن الهجمات. يجب على الحكومة السودانية البحث عن دعم مالي دولي لمواجهة هذه التحديات الاقتصادية المتزايدة، كما تؤدي هجمات المسيرات إلى تفاقم الأزمة الإنسانية من خلال تدمير المستشفيات ومحطات المياه والكهرباء، مما يعرض حياة المدنيين للخطر ويزيد من معاناتهم. يجب على المنظمات الإنسانية تكثيف جهودها لتقديم المساعدات الضرورية وتوثيق الانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع.
بناء الوعي العام والشراكات المجتمعية، فيلعب الوعي العام دوراً حاسماً في مواجهة حرب المسيرات. يجب على الحكومة ووسائل الإعلام توعية المواطنين بمخاطر الطائرات المسيرة وكيفية التعرف عليها والإبلاغ عنها، مع تعزيز الثقة في القوات المسلحة من خلال الشفافية والإعلان عن الجهود المبذولة لحماية المدنيين والبنية التحتية، وإشراك المجتمع المدني في جهود الرصد والتوثيق وتقديم الدعم للمتضررين.
إن التعامل مع حرب المسيرات التي تستهدف البنية التحتية السودانية يتطلب استراتيجية شاملة ومتكاملة تجمع بين القدرات الدفاعية والهجومية، والجهود السياسية والاقتصادية والإنسانية، وبناء الوعي العام والشراكات المجتمعية. إن الفشل في تبني مثل هذه الاستراتيجية سيؤدي إلى مزيد من التدهور في الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والأمنية في السودان، ويقوض فرص تحقيق السلام والاستقرار في البلاد. إن التحدي كبير، ولكنه ليس مستعصياً إذا توفرت الإرادة السياسية والوحدة الوطنية والتعاون الإقليمي والدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى