شئ للوطن ــ صلاح غريبة – مصر ــ Ghariba2013@gmail.com غياب صوت الإعلامي وخبير الجاليات: رؤية معمقة لتكوين الجالية السودانية بمصر ــ بعانخي برس
بعانخي برس

يثير التصور المقدم من لجنة حكماء الجالية السودانية بمصر لتكوين مجلس الجالية العديد من النقاط الهامة التي تستحق التوقف والتأمل. وبينما يحمل الطرح في طياته نوايا طيبة نحو تنظيم الصف السوداني وتعزيز دوره في المجتمع المصري، إلا أنه يغفل عن أهمية إشراك فئات فاعلة تساهم بشكل محوري في لم الشمل وخدمة الجالية. ومن المؤسف أن أجد نفسي، كإعلامي وممارس لخدمة الجاليات في دول المهجر، خارج دائرة الاستدعاء لهذه اللجنة التأسيسية، خاصة وأن الكيانات التي أنتمي إليها مهنياً وفكرياً قد تم تمثيلها بالفعل.
إن تكوين مجلس فاعل ومؤثر للجالية السودانية في مصر يتطلب رؤية شاملة تستوعب كافة أطياف الجالية وخبراتها المتراكمة. صحيح أن تحديد مكان ثابت (“بيت السودان”) وتكوين لجنة تسيير مؤقتة ذات مهام واضحة (تعديل الدستور، الإشراف على الانتخابات) يمثل خطوات أولية ضرورية، إلا أن نجاح هذه الخطوات يعتمد بشكل كبير على تركيبة اللجنة ذاتها وآلية اختيارها.
إن التأكيد على اختيار “أصحاب الخبرات والكفاءات الوطنية الكبيرة” هو أمر بديهي ومطلوب. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف سيتم تحديد هذه الخبرات والكفاءات؟ وهل سيقتصر الأمر على الخبرات التقليدية أم سيمتد ليشمل الخبرات النوعية التي تحتاجها الجالية في هذه المرحلة الدقيقة؟
إن استبعاد أعضاء اللجنة التسييرية من الترشح للانتخابات لثلاث دورات قادمة قد يكون له ما يبرره من حيث ضمان النزاهة وتجنب تسييس اللجنة، إلا أنه في المقابل قد يحرم المجلس الجديد من خبرات قيمة اكتسبها هؤلاء الأعضاء خلال فترة التأسيس.
ضرورة إدراك إن تكوين الجاليات هو من اختصاص جهاز المغتربين ودون إغفال دور الجهاز في ذلك، والاهتمام بأن تكون لجان التفكير في شان الجالية برئاسة مسؤول من جهاز المغتربين، وضرورة تواجدهم طيلة فترات التأسيس والتكوين الفعلي والانتخابات، مع استصحاب أفراد من أصحاب الخبرات في تأسيس وتكوين وإدارة الجاليات والمتواجدين في مصر لظروف متعددة ومنها شأن الحرب، في لجان استشارية بحكم خبراتهم.
أما فيما يتعلق بالهيكل التنظيمي المقترح، فإن فكرة الجمعية العمومية التي تتكون من رؤساء الكيانات والجمعيات المهنية تبدو منطقية في إطار تمثيل أوسع شرائح الجالية. إلا أن اشتراط “قانونية التكوين” و”الشهرة في الشؤون الاجتماعية” قد يستبعد العديد من المبادرات والكيانات الفاعلة التي ربما لم تستكمل بعد إجراءات التسجيل الرسمية، خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد.
إن فكرة إنشاء لجان مهنية وانضمام الأفراد حسب مهنهم (اتحاد الأطباء، العمال، الصحفيين، إلخ) تمثل خطوة إيجابية نحو تفعيل دور الكفاءات المتخصصة داخل الجالية. ولكن، كيف سيتم ضمان تمثيل هذه اللجان بشكل عادل وفاعل في الجمعية العمومية؟ وما هي الآلية لضمان عدم ازدواجية التمثيل للأفراد المنتمين لأكثر من كيان أو مهنة؟
إن التركيز على التسجيل الإلكتروني وإنشاء قاعدة بيانات لأفراد الجالية هو خطوة ضرورية نحو تنظيم شامل وشفاف. وهذا يسهل عملية الانتخابات ويضمن مشاركة أوسع قاعدة من أبناء الجالية.
أما بالنسبة لرئيس المجلس المقترح، فإن تمتعه بـ “الصلاحية الدبلوماسية الشعبية” وتواجده في المحافل التي تهم الجالية هو أمر بالغ الأهمية. إلا أن تحديد فترة ولايته بثلاث سنوات وعدم التجديد له لفترة مقبلة قد يحرم المجلس من قيادة مستقرة وذات خبرة متراكمة، خاصة إذا كان الرئيس المنتخب يتمتع بكفاءة عالية وقادر على تحقيق إنجازات ملموسة.
بالعودة إلى نقطة البداية، يظل السؤال قائماً: أين يقع دور الإعلاميين وممارسي خدمة الجاليات في هذا التصور؟ إن الإعلام يمثل أداة قوية في توحيد الصف ونقل الحقائق وتوعية أفراد الجالية بقضاياهم. كما أن ممارسي خدمة الجاليات يمتلكون خبرات عملية في فهم احتياجات الجالية وتسهيل التواصل بين أفرادها وبين المؤسسات المختلفة.
إن استبعاد هذه الفئات من اللجنة التأسيسية يمثل إغفالاً لدورهم المحوري في بناء جسور الثقة والتواصل داخل الجالية وخارجها. إن مشاركتهم في وضع الدستور واختيار الهيكل التنظيمي كانت ستضيف بعداً مهنياً وخبراتياً لا يمكن تجاهله.
انطلاقاً من أهمية إشراك كافة الأطياف الفاعلة، أقترح بإعادة النظر في تركيبة لجنة التسيير وضرورة إضافة ممثلين عن الإعلاميين وممارسي خدمة الجاليات، ربما من خلال ترشيحات من الكيانات المهنية ذات الصلة أو من خلال فتح باب الترشح للكفاءات المعروفة في هذه المجالات، وتوسيع معايير اعتماد الكيانات والأخذ في الاعتبار الكيانات والمبادرات الفاعلة التي ربما لم تستكمل إجراءات التسجيل الرسمي، مع وضع آليات مؤقتة لاعتمادها بناءً على معايير موضوعية وشفافة، مع ضمان تمثيل عادل للجان المهنية، وضرورة وضع آليات واضحة لتمثيل اللجان المهنية في الجمعية العمومية، بما يضمن تمثيل كافة التخصصات بشكل متوازن، ودراسة إمكانية التجديد لرئيس المجلس مع ترك الباب مفتوحاً لإمكانية التجديد لرئيس المجلس المنتخب في حال تحقيقه إنجازات ملموسة وحصوله على ثقة الجمعية العمومية، مع وضع ضوابط واضحة لذلك، وضرورة إشراك الإعلام في مراحل التكوين وتغطية مراحل تكوين المجلس وتوعية الجالية بأهمية المشاركة الفاعلة.
ختاماً، إن تكوين مجلس جالية سودانية قوي ومؤثر في مصر هو هدف نبيل يتطلب تضافر جهود الجميع واستيعاب كافة الخبرات والكفاءات. إن استبعاد فئات فاعلة مثل الإعلاميين وممارسي خدمة الجاليات قد يضعف من قدرة المجلس على تحقيق أهدافه المنشودة. لذا، أدعو لجنة حكماء الجالية إلى إعادة النظر في آليات التكوين وفتح الباب لمشاركة أوسع تخدم مصلحة الجالية السودانية في مصر.