✍🏻 د. عبدالرحمن عيسى
أنا مش معاهم عبارات أطلقها الكثيرين ممن تم إلقاء القبض عليهم داخل مدينة ودمدني، ووجهت إليهم تهمة تعاونهم مع العدو (المتعاونين) فكانت المحكمة الفورية!!! …
أنا مش معاهم،، بكل تأكيد هي عبارة سهلة اللفظ والحفظ، وأيسر ما يمكن أن تدافع به الروح الإنسانية عن نفسها وهي مقتادة إلى حتفها الأخير!!! وربما خرجت من أفواه بريئة وأخرى مجرمة فالجميع كان يبحث عن طوق نجاة، والكل كان يبغى الحياة..
أنا مش معاهم،،
عبارة إنكار لو تم إخضاعها لمعايير العدالة والقانون، لربما حفظت الحق للجميع وأدانت المجرم الحقيقي، وكلنا يعلم بأن المتهم بريئ حتى تثبت إدانته!!!
أنا مش معاهم؛
عبارة اقتبستها من اسم فيلم مصري رائج، وهو بطولة النجم السينمائي المصري أحمد عيد.
فقد جسد الفيلم واقع مشابه إلى حد كبير واقع الحال الذي عايشناه في مدينة ودمدني.
حيث وضح الفيلم بأن الأجهزة الأمنية والاستخباراية المختصة أيضاً غير مبرئة من الوقوع في خطأ المعلومة، وربما استعجالها في الحكم على المتهم يجعلها تقع في خطأ أكبر من الذي ارتكبه المجرم نفسه..
اختيارينا لعنوان الفيلم أعلاه ليكون عنوان لموضوع مقالنا هذا، بسبب الكثير من الاتهامات الجُزاف التي نُسبت للبعض فكانوا ضحايا دون ذنب أو جُرم اقترفوه سوى أنهم روضوا أنفسهم للتعايش مع المشهد الدكتاتوري الجديد الذي اجتاح مدينتهم!! والغريب في الأمر أن غالبية سكان مدينة ودمدني الذين اجبرتهم ظروفهم المعلومة لديهم فقط! من القدرة على الخروج، كانوا في إنتظار بشوق كبير قدوم منقذهم ومحررهم (الجيش) ، ولكن يصعب النطق بذلك وهم بين براثن المليشيا…
بلا شك لا توجد قاعدة تخلو من الشواذ، ولكن ما أكثر الذين اجبرتهم الظروف المختلفة من التعامل قهراً مع المليشيا داخل مدينة ودمدني وخارجها، ولا أعتقد بأن هناك من يدعي شرف الصمت وعدم التعامل مع المليشيا طيلة فترة العام ونيف من الأيام وهو يعيش ويتعايش معها في رقعة مكانية واحدة!!!
كنا في المدينة ونرفض مذايدة البعض على الكل، ومحاولات تشويه الآخرين بغية الصعود على مركب الوطنية، والجميع يعلم بأن كلماتهم التي يخرجونها جُزافاً، أو بسطحية كاملة كانت كفيلة بأن تُغرق الآخرين!!
من ذا الذي لم يضحك، يجلس، يبيع ويشتري، يطلب الحماية، يتوسل، يخدم مجتمعه داخل مدينة ودمدني، بدون التعامل المباشر أو غير المباشر مع المليشيا..
المليشيا كانت تضع يدها على كل شبر داخل المدينة وخارجها، تسيطر على ماتبقى من مؤسسات المدينة الخدمية، مخازن الأدوية، المأكولات، الدقيق، السكر، زيت الطعام، وحتى مخازن اسبيرات بيارات المياه ووو..
عليه كيف يُعقل أن تكون هناك جهات خدمية خدمت مجتمع المدينة دون أن تطرق أي من أبواب المليشيا المسيطرة على الأمر وقتها، وهل يُعقل أن يتم طلب (وابورات) على سبيل المثال لتشغيل بيارات المياه التي نُهبت طاقاتها الشمسية بدون طلب أو استسماح على الإطلاق،
ولو كانت المليشيا توفر كل ماسبق ذكره للمواطنين دون الطلب أو التوسل فبالتأكيد لم تكن سيئة بالقدر الذي يجعل كل من امكنته ظروف الانطلاق عكس إتجاه تواجدها هرول مسرعاً هرباً منها..
ربما كان الكثير من قيادات الجيش وغيرهم من القيادات العسكرية الوطنية في تمام العدالة القانونية، وأظن أن تكوين غرف أمنية للتحقيق والتحري أمر يوضح ذلك، وهي الوحيدة القادرة على استبيان صحة ادعاء مصطلح (أنا مش معاهم) ومن ثم يبقى الحكم العادل للقانون بكل تأكيد…
نعم يتململ إنسان مدينة ودمدني عقب تحرير المدينة، وقد أطلق العديد من أبنائها الذين ظلوا داخلها طيلة فترة سيطرة المليشيا أصوات استهجانهم لتشق عنان السماء ،، فقد ذكروا بأن البقر تشابه عليهم، وأن السواد الأعظم ممن كانوا خونة الأمس أصبحوا أشراف اليوم، ويتدثرون دون حياء بزي سيادة الوطن..
فقد أكدوا أن المتعاونين الذين ساهموا في نهب، سرقة وتدمير المدينة، جاءوا الآن وهم في تمام الوطنية بحجة أنهم كانوا عملاء مزدوجين!!
الادهى والأمر؛ أن نفس تلك الشرائح المقيتة التي زجت بأبناء المدينة في السجون، وقتلت بعضهم ونهبت جلهم، عاودت ممارسة أفعالها الاجرامية هذه المرة، ولكن بحجة قتل خونة الوطن!!
عليه إذا كان خونة الأمس هم جلاد اليوم فمن الذين تم قتلهم، ولماذا؟؟
نعم لماذا استعجلت جهة ما قتلهم حتى ولو كانوا متعاونين أو مجرمين؟
اوليس إلقاء القبض عليهم وتسليمهم لاستخبارات الجيش كان أفضل لهم وللوطن؟؟ علماً بأن الذين تم قتلهم بتلك السرعة ودون اخضاعهم للتحقيق إذا سلمنا بأن جميعهم كانوا خونة، كانوا يمثلون مصدر المعلومة الحقيقية للأجهزة الاستخبارية، والتي ربما كانت ستكتشف الكثير والمثير من المعلومات القيمة!!
فمن المستفيد من مشهد القتل المروع والغير مشروع داخل المدينة وخارجها،، وما الذي أراد أن يُخفيه عبر سحق وحرق كل الشواهد والأدلة؟؟
هو مش معاهم،، وأنا مش معاهم،، وربما الكثيرين ممن قتلوا مش معاهم…
ولا يمكن تأكيد المعاهم والمش معاهم إلا بالتحري والتدقيق..
في الختام؛
كلنا ثقة في أجهزة الدولة الأمنية والاستخباراية، ولكن ابقو عشرة على المعاكم!! ،، وحاولوا أن تعكسوا الدور المشرق لهذا الجيش.