دروب الحقيقة _ احمد مختار البيت _ مدينة (رشاد) صورة من قريب.. سر الجمال وسحر المكان _ بعانخي برس
بعانخي برس

كأنها استمدت اسمها من الرّشد، واستقامة المسيرة، فالمكان يمنح من عبقرياته وللزمان كيمياء تطبع الإنسان، ومن هنا جاءت مقولة الإنسان ابن بيئته. .تقع مدينة رشاد فوق هضبة عالية تبلغ (3/000) قدم فوق سطح البحر، شمال خط الاستواء، بين خط العرض 12/13 شرق ولاية جنوب كردفان، تحيطُ بها الجبال من كل جانب. تقول روايات ومصادر تاريخية أن القائد حمدان أبو عنجة البطل المعروف في الثورة المهدية احتمى بها في فترة من الفترات، ويحمل اسمه أحد جبالها البارزة الآن، ومن معالمها الرئيسة الجبل الأبيض قبل أن تمتد إليه يد أعداء البيئة، وتحيله ركاماً، ومن مظاهر المدينة اللّافتة، ينابيع المياه التي تتحدّر من أعالي الجبال، مُشكّلةً لوحة زاهية تسر الخاطر وتريح النّفس، خاصة في موسم الخريف.
ومن الأحداث الجديرة بالتّوثيق في المنطقة، هو يوم 15 نوفمبر من عام 1967م، حين وقع زلزال في جبل دامبير بالقرب من السّميح، وصلت ارتداداته إلى منطقة رشاد، فغاضت المياه والينابيع في باطن الأرض، واضطر الناس إلى جلب الماء من مناطق بعيدة قبل أن تُحل المشكلة بحفر المضخّات وإنشاء الخزانات والسّدود والحفائر..
تتميّز المنطقة، بمناخ معتدل وأجواء حالمة وتنوّع كبير في الغابات والأشجار والنباتات العطرية الجميلة، والخيران الموسمية، والأهم من كل ذلك إنسانها الخلوق الأمين الهاديء المهذب،
و لا نبعد عن الحقيقة كثيراً إذا قلنا أن الإعلام السُّوداني ظلم مدينة رشاد والمنطقة كلها وأهملت الدّولة وحكوماتها المتعاقبة أهم مورد سياحي، كان يمكن أن يساهم في ميزانية الدولة والمنطقة بنصيب كبير.
وكمثال للتّنوع البيئي المُدهش في رشاد، الثمار الغابية، الكرمدودة التي تُستخدم الآن كعلاج لضغط الدّم والسُّكري أو عصير في شهر رمضان والمناسبات الاجتماعية، والدّليب وهى ثمرة من شجرة تُعتبر معجزة، كل جزء فيها له استخدامات مفيدة، ظلت شعاراً ملهماً قبل أن يقضي على أغلب غاباتها أعداء الحياة والخضرة والجمال، والدّليب ينتج ثمرة أخرى هى الهالوك (يُنسيك أمك وأبوك) كما يقول المثل الشّعبي في تلك البيئات الطيبة، ولا ننسى أم تُقلقُل وهى ثمرة بلون الزيتون، ذات مذاق حلو، و الجوغان، وأم مديكة، وأم حامض حامض وهى تشبه العنب، وأم مغليلة، والكركر بكسر حرف الكاف، وعرق الكيل الذي يُستخدم في علاج أمراض وعوارض الجهاز الهضمي والملاريا.
ولستُ في حاجة للتّذكير بالثمار المعروفة القنقليس والعرديب واللّالوب والنّبق( السّدر) والمحاصيل والخضروات المعروفة للجميع، ولكن خضروات وفواكه المنطقة لها خصائص نادرة، فهى أرض لم تعرف الأسمدة والمبيدات بعد، وتحتفظ أغلب منتجاتها بمذاقها الطبيعي، ولها اشجار زاهية وجميلة مزهرة، الصُّباغ وشجرة السّم (الصبّار) والبشم والقضيم والطقطاق والخرّوب الذي غدا اليوم مشروب أساسي في المائدة السُّودانية في رمضان.
تكثرُ في المنطقة والمدينة الخلاوى والمساجد، فهى مركز مهم للتّصوف في السُّودان. وخصّ الله أهل رشاد بملكات فنية فطرية، فهم يصنعون من الطين القُلل والجبنات، ومن الأشجار يصنعون العناقريب والفنادق وغيرها من المنحوتات الفنية.
ونشير إلى أن من الذين عملوا بمركز رشاد المستر قريفث الخواجا المعروف ورائد التّعليم النظامي ومؤسس بخت الرضا، ومن المفتشين الذين مروا على مركز المدينة عثمان النو، وفي وظيفة مامور عمل بها الشّاعر توفيق صالح جبريل، والإداري حامد علي شاش، ومن الضباط الإداريين، عبدالله حماد، ومحجوب حسن الأمين.
ورشاد هى موطن العبقري عبدالله عطية المهندس بالفطرة، الذي صنع فيها طائرة حلّقت في الفضاء، وتحكّم في حركتها من الأرض، واعتقلته السُّلطات الاستعمارية حينها وزجّت به في السّجن، وأخذت منه تعهّد بعدم تكرار التجربة قبل أن تُطلق سراحه،
ولا يسع المجال للتّعريف بتفاصيل الحياة الاجتماعية والثقافية والرياضيةوحركة التعليم في تلك المدينة السّاحرة، التي أنجبت الفنان الشّامل والموسيقار يوسف القديل، فهى جنة الأرض كما وصفها الأستاذ الشفيع سر الختم في مؤلفه التّوثيقي (رشاد جنّة الأرض وعروس الجبال) .
وأهل رشاد شعراء بطبعهم كل في مجاله وتخصّصه.
ولكن كيف (الغناء في زمن الخوف) كما يقول المبدع فضيلي جماع في ديوانه الشّعري:(وأحصى البيوت التي هجرت ساكنيها
أقبلُ طوب المنازل
رمل الشّوارع
كل الشّوارع
لأنك منها وفيها
ويولد فجر يمتد في السّاحة الشارع الأبدي
ننقلُ فيه الخُطى وننظر في العابرين..
أصافحُ وجهكٍ في طلعة الشّمس..
أو في خُطى العابرين
أصافحُ حتى الأرازل والطّيبين..
أتعلّم منهم ثبات الصّخور
في وجه الرياح
ونار التّحدي ونور اليقين..)
المصادر:
.رشاد جنة الأرض وعروس الجبال.مؤلف: الكاتب الشفيع سر الختم
. تجارب حياتية ومشاهدات.
وثائق ومكاتبات.