دروب الحقيقة _ أحمد مختار البيت _ كادقلي.. المدينة والإنسان والتّاريخ _ الحلقة (2) _ بعانخي برس
بعانخي برس

تتبعنا في الحلقة الفائتة من هذا المقال، تطوّر الإدارة الأهلية لكادقلي والمراحل التي مرّت بها، وخصائص المكان وإمكاناته الكبيرة وموارده التي ترشّحه عاصمة لسُودان المستقبل.
فجبال النوبة تتميّز بأراضي متنوّعة وخصبة، انتجت القطن المطري منذ العام 1918م وفي العام 1963م كان إنتاج القطن حول مدينة كادقلي فقط مليون قنطار، وكان ريش النعام قبل ذلك هو الموارد المهم في ذلك التاريخ البعيد، بالإضافة إلى أن المنطقة تعتبر من الحصون الطبيعية السُّودانية المنيعة، ولم تُخترق في كل تاريخها الطويل من أي جهة ، وتعجُ المنطقة بالخيرات الطبيعية والغابات المتنوعة، والمياه الجوفية الوفيرة، وينابيع المياه المعدنية العذبة التي تجري على مدار السنة
ويحكم جبال النوبة طقس معتدل، وتخلو المنطقة من الكوارث الطبيعية والفيضانات والسيول الجارفة وثقافياً مجموعة كادقلي وميري وكرنقو، لها تميّز في تسلسل الجينولوجي، فالابن الأول عندها يُسمى كوكو، والثاني كافي، والثالث تيه والرّابع توتو، والخامس كوة، وذات الأمر في اسماء البنات، وأترك باقي الثراء الثّقافي الفياض لقلم ابن كادقلي المبدع يحيي فضل الله، الذي مثّل وزارة خارجية كاملة لها وعرّف بهذه المنطقة أكثر من وزارة الإعلام والولاية.
أرجع البحث الاجتماعي وجود أسماء السّر، وسر الختم، وعلي وعثمان وإسماعيل بكثرة في منطقة كادقلي إلى دخول طائفة الختمية ومريديها المنطقة، وفتح خلاوي بها، وحيث ظل منزل المكوكية يستقبل وفودها وخلفاءها بشكل دائم.
ومن جهة أخرى تقول كُتب التّاريخ أن جيش الإمام المهدي ضمّ عدداً كبيراً من ابناء جبال النوبة، وبذلك استطاعت كادقلي والجبال عموماً، جمع كل تيارات وأعراق وأهل وطوائف السُّودان عبر التاريخ. ولم تكن المنطقة بعيدة عن المدنية، فقد افتتحت فيها مدرسة كادقلي الأولية سنة 1923م رغم عزوف المواطنين عن التعليم في ذلك الحين، لأسباب كثيرة لا يسع المجال لذكرها،
والذي يُميّز مجموعة كادقلي رقصة الكمبلا المدهشة، بينما رقصة الكِرن هى الأكثر انتشاراً بين مجموعات الأجانج والنيمانج والكواليب، وتمارس مجموعات أطورو وتيرا ولُمن رقصة الكنارا، وتنتشر رقصة البُخسة بين مجموعة شات وكجة وكرنقو ودلوكا، وقد ذاع هذا التراث الفني العظيم بين أغلب سكان المنطقة، وجمع بينهم ووحّد وجدانهم، قبل ان تمزّقه الحروب والكراهية والرؤى العدمية للحياة والناس.
وهناك في جبال النوبة مجموعة واحدة انفردت برياضة (الدُواس) نعم الدواس!! هى قبيلة المورو، بينما أغلب قبائل المنطقة، تمارس رياضة الصُراع أو المُصارعة، وهذا يُفسّر رغبة القوات المسلحة في تجنيد ابناء تلك المناطق، لتميّزهم بالقوة البدنية، والقدرة على تحمل المشاق والصبر على المكاره، ولأن التّاريخ هو علم الحركة، لا يمكن فهم ما يدور في الحاضر إلا بمعرفة ما دار في الماضي.
يتبع….لماذا كادقلي عاصمة للسُّودان