راي

دروب الحقيقة _ أحمد مختار البيت _ كادقلي… المدينة والإنسان والتاريخ _ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

 

كادقلي…
المدينة والإنسان والتاريخ

تؤكد الشواهد التاريخية والثقافية إن النوبة التى سكنت سلسلة الجبال في كردفان شمالاً وجنوباً تنحدر من أصول النوبيين في شمال السُّودان، وهناك الكثير من العادات والتقاليد والملامح والاسماء المشتركة تؤكد ذلك وكمثال كبوشية وكورتي وكوشة وكرياب، في الشّمال وكادقلي وكاتشا وكرنقو وكيقا، في كردفان تبدأ بحرف (الكاف) والكثير غيرها من المسميات والرموز المعالم. وليس هذا مجال بحثنا في هذا المقال الذي نودُ فيه إعطاء لمحة عن تاريخ كادقلي، المدينة والإنسان، وقد دعا في الآونة الأخيرة كثير من الباحثين والمراقبين إلى نقل العاصمة إلى كادقلي، كمخرج للأزمة الوطنية المتطاولة.

بإعتبار كادقلي تمثّل سُرُّة السُّودان، وتتميز بموقع جغرافي استراتيجي يربط بين كل أطرافه، وتزخر بتنوّع اجتماعي وثقافي واقتصادي هائل.
.كانت المنطقة تسمى قديماً ( تلّا) وأول مك لها هو فطّو، قبل أن تنتقل السّلطة لولده (كدوقلي) أو كيداولى، الذي تولى إدارة المنطقة خلال الفترة من 1798م إلى 1840م.

وسبق ذلك في العام 1821م، أحتل الاتراك السُّودان ووصلوا المنطقة بحثاً عن الرجال و الذهب في منطقة جبال شيبون، واختاروا قرية (مُرتا) معسكراً لهم، لتوّفر موارد المياه وقربها من مناطق الذّهب.

تقول رواية متداولة أن المواطنين دُهشوا من لون بشرة الأتراك الحمراء، ومن اسلحتهم التي يحملونها وأن المواطنون اعتقدوا أن هؤلاء هم من أكلة لحوم البشر، وجاءوا ليحتلوا أرضهم، فتصدى للأمر المك كادقلي وقابل الأتراك على رأس وفد من أهله ونقلوا للمحتل التركي اعتراضهم على وجودهم في المنطقة، وبعد مفاوضات شاقة أقنع الأتراك المك بأنهم أتوا بأمر الحكومة في الخرطوم لحفظ الأمن وتعمير الأرض، وعليه أن يطمئن المواطنين ليتعاونوا معهم، ونصّبُوا المك كدوقلي زعيماً على المنطقة، ورغم ذلك أصر أهل قرية (مُرتا) على رأيهم بضرورة إبعاد معسكر الأتراك من المنطقة، فنُقل إلى أقصى جنوب المنطقة.

في العام 1840م تولى المك أندو كادقلي السُّلطة، وشهد عهده تطوّراً كبيراً في حياة الناس، وحدثت هجرات سكانية واسعة للمنطقة سبقت الثورة المهدية، ونشأت تحالفات كبيرة بين المجموعات السُّكانية، وتوحّدت كلمتها على محاربة المحتل وطرد الأجانب، ومهّدت هذه التّحركات لدخول الثورة المهدية الجبال الشرقية (قدير) والجبال الغربية (ميري)
وقد تحالف المك أندو مع أغلب المجموعات العربية، وزوّج بناته من زعمائهم، فضمن بذلك استقرار وتأمين المنطقة.

وتولى بعد ذلك المك رحال زمام الأمر، في الفترة بين 1870م إلى 1915م، وعرف عهده نشاطاً كبيراً واتصالات متعددة ومصاهرات واسعة مع قيادات المجموعات التي وفدت للمنطقة، من التجار ورجال الدّين والطرق الصُّوفية، وقد اتخذ المك مستشارين له من كل تلك المجموعات السُّكانية والتُّجار الذين وصلوا المنطقة، وطوّر النظام الإداري للمكوكية وجعل على كل منطقة مكّاً أو عمدة أو شيخ لمساعدته في إدارة المنطقة التي شملت كل مناطق النوبة الجنوبية، وأجرى اتصالات بزعماء كُثرخارج المنطقة.

وبقيام الثورة المهدية بادر المك رحال على رأس وفد من أهالي المنطقة يضم حامد أبو سكين، وحامد اللّكة، وعدد كبير من التجار بمقابلة المهدي في قدير ومبايعته على مناصرة الثورة وتحرير السُّودان من المحتل الأجنبي، وطالبهم المهدي بالعودة إلى ديارهم ومناطقهم والتّبشير بالثورة وأرسل معهم فقهاء وعلماء دين لمساعدتهم في تعليم النّاس أمور الدين، وهم الذين اسسوا حي الفقراء كمركز للخلاوي في كادقلي.

وفي 1917م توفى المك رحال بعد عمر مديد ، وخلفه ابنه محمد رحال أندو، وكان قد تمرّس على الإدارة والحكم منذ صغره، واتّصف بالكرم والشجاعة والحكمة والورع وسداد الرأي وحب العمل والاعتماد على النّفس، وبذلك كسب حب أهل المنطقة، وفي عهده، تحقّقت وحدة المجتمع والتعايش السّلمي في أبهى صورها، وتوسّعت دائرة اختصاصه، وتُوّج مكّاً للنوبة الجنوبية، واستطاع إدارتها باقتدار، و بسط العدل بين المواطنين وحين اشتركت قوة من الجبال في الحرب العالمية الثانية، كان من بينها ابنه داؤود الذي استشهد في معارك الحبشة، وزار المك العديد من الدول متفقداً ابناء جنوب كردفان في جبهات القتال أثناء الحرب العالمية في تونس وليبيا وأثيوبيا.
اهتم بالزراعة والرعي والتجارة، وكان يتقدم النّاس في العمل والنّفير مشجعاً ومؤازاً، وقد مكّنه هذا التّفكير والممارسة، من إغاثة مناطق عديدة في جنوب وشمال كردفان من مخزونه الخاص خلال فترات المجاعة، توفى المك في 1952م. تاركاً سيرة عطرة وتاريخ ناصع بين الناس.

تولى المك رحال محمد رحال مقاليد السلطة منذ العام 1952 إلى 1965م، اشتهر بالعدل وقوة الشّخصية فى اتخاذ قراراته وحسم الأمور، وشجع العلم والزراعة، وكان يُعطّل أعمال المحكمة في فصل الخريف لتفرغ المواطنين للعمل، ولا تُعقد المحكمة إلا للحالات التي تحتاج لمعالجات مستعجلة، ومن مآثره أنه كان ينقل المحكمة للمواطنين في ديارهم ومواقعهم.

قاد وفد كبير لمصر في فترة رئاسة محمد نجيب.
وشارك يعقوب رحال في أول برلمان وطني عام 1953م وانتخب في البرلمان الثاني عام 1956م الذي حُل بانقلاب الفريق إبراهيم عبود ..

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى