راي

دروب الحقيقة _ أحمد مختارالبيت _ جديرون بالتّقدير.. العاملون بالخارج يدفعون ضريبة الوطن مضاعفة _ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

هل غدا قدر ابناء السُّودان العاملين في الخارج أن يدفعوا ضريبة الوطن مرّتين، مرة بالغُربة المتطاولة عن اُسرهم وابنائهم وأهلهم ووطنهم، والثّانية بتحمّلهم أعباء الحرب الاقتصادية والمعيشية المُرهقة إنابةً عن حكومة الأمر الواقع و أطراف الحرب العدمية، التي مضىٰ عليها الآن أكثر من عام ونصف بالتّمام والكمال.

لقد امتنعت وزارة المالية خلال هذه المدة عن دفع مرتبات العاملين بالخدمة المدنية الذين يُقدر عددهم بمليون عامل وعاملة، في مختلف الوزارات، واكتفت بالتعامل مع الوحدات ذات الايرادات المالية، كالضّرائب والزكاة والجمارك ونقاط العبور والموانيء ومكاتب التّحصيل التّابعة للمالية في الولايات و المحليات وغيرها وهو موقف أقلّ ما يُقال عنه أنه انتهازي، و لا يمتُّ للمسؤولية بصلة،

ولذلك أصبح لزاماً على العاملين في الخارج بدافع أخلاقي وإنساني أن يتقاسموا مرتباتهم ومُدخراتهم مع أُسرهم في الداخل، وامتداداتها في مراكز النّزوح واللُّجوء، وفي ساحات التّشرّد، وردهات المستشفيات ومحطات السّفر، ويضطر الكثير منهم إنْ لم يكن أغلبهم للاستدانة منذ الأسبوع الأول، لأنه يُوزّع مُرتّبه بعد استلامه مباشرة، عبر التّطبيقات البنكية لأهله واصدقائه الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السّماء في ظروف قاسية وصعبة ومهينة، في أرضٍ لا أرض فيها للحنين إلى أحد، ومما يزيد من قهر العاملين بالخارج وقلقهم استمرار الحرب،

وصُور المآسي المؤلمة التي تنقلها الفضائيات كل مساء وتفيض بها السُّوشل ميديا. إلا أن الشّعب السُّوداني مازال يُعلّق آمالاً عريضه على دور ابنائه العاملين في الخارج، للضّغط على أطراف الحرب، وتعريف العالم بالمأساة المنسية، لارغام المتحاربين على وقفها بأسرع وقت ممكن، لأن وقفها فيه خلاص العاملين بالخارج من مأساتهم المُرّكبة وتخفيف من معاناتهم مع إفرازاتها، وخلاص لشعبهم وأهلهم من الكارثة التي تجري تفاصيلها الآن أمام أعينهم.

ومن المُحزن أن يسمع ويشاهد ابناء السُّودان العاملين في الخارج وأُسرهم الإغاثة التي تتبرّع بها دول الخليج والمُنظمات الإنسانية تُباع في الأسواق ولا تصل لمستحقيها المتضررين من الحرب، ومن الكوارث الطبيعية من سيول وفيضانات وأوبئة.

إن جهود العاملين في الخارج ووقفتهم اثناء الحرب مع أهلهم في الداخل، جديرة بالتّقدير والثناء، ومن المهم توثيقها للأجيال القادمة.
وعلى معشر العاملين في الخارج أن يعرفوا أن الملايين من أهلهم وشعبهم في الدّاخل، وفي الكثير من مراكز اللُّجوء في الخارج، حصرتهم الحرب المتطاولة في أنفسهم، وغدوا أجساداً مُنهكة بالجوع والمرض وقسوة الحياة، وأرواحاً هدّها الحزن والأسى من أهوال الحرب وفظائعها، وعقول شلّها التّفكير فيما يجري حولها ولا تعرف له تفسيراً.

وفي ظنّي أن العاملين في الخارج مُدركون بالتّجربة ودروس الغربة الطويلة معنى أن تفقد الوطن، وقيمة الفداء والتّضحية من أجله، ويُعوّل عليهم مواصلة هذا الدور العظيم حتى يستردّ الشّعب السُّوداني ارادته من الذين خانوا ثورته العظيمة واجهضوا تطلعات ابنائه لحياة حرة كريمة، في وطن معافى من الكراهية والعنصرية والتّحيّزات الجهوية، التي أقعدت به، وبددّت موارده وخيراته واسترخصت تعب وكفاح ابنائه وبناته، الذين ضحوا بالبقاء قُرب أسرهم و أبنائهم وأهلهم، من أجل مستقبل أفضل لهم واذا بهم يدفعون الضّريبة مضاعفة، بسبب الحرب العدمية التي تُهدّد الآن ليس المستقبل فقط، بل وجود الوطن نفسه ووحدة شعبه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى