بروف عارف عوض الركابي يكتب .. الدعم السعودي للشعب السوداني عبر مركز الملك سلمان ــ الفترة من أبريل 2023م إلى أبريل 2025م (الحلقة الثانية) ــ بعانخي برس
بعانخي برس

هذه الحلقة الثانية من سلسلة أعرض فيها بإيجاز أبرز مجالات دعم حكومة المملكة العربية السعودية وشعبها عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية للشعب السوداني، في (العامين الماضيين) من أبريل 2023 وحتى أبريل 2025م أعدد فيها بإجمال أنواع وآثار المشاريع التي تم تنفيذها.
وقد تضمّنت الحلقة الأولى معلومات وبيانات من المهم اطلاع القارئ عليها قبل اطلاعه على هذه الحلقة، وهذه الحلقة خاصة بالدعم في الجانب الصحي والعلاجي، فقد شهدت فترة العامين الماضيين أسوأ أحداث شهدها الشعب السوداني في تاريخه، واطلع عليها العالم، وبسبب ذلك خرج عن تقديم الخدمة أكثر من (80%) من المؤسسات الصحية الحكومية والخاصة، وازدحمت المستشفيات ومراكز التشخيص والعلاج في بعض المدن بالولايات الآمنة بالمراجعين؛ حيث استقبلت تلك المدن الملايين من النازحين بمختلف أعمارهم ومشكلاتهم واحتياجاتهم الصحية بما يفوق أضعاف طاقتها الاستيعابية وإمكانياتها.
فكان توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله تعالى- بدعم الشعب السوداني والوقوف معه في الجانب الصحي وفي غيره، لتخفيف المعاناة وسد الكثير من الاحتياج، وقد تنوعت صور وأشكال الدعم المستمر والمتواصل في مجال الصحة والعلاج، الذي شمل الجسر الجوي بعدد من الطائرات، والجسر البحري بمئات الشاحنات في دفعات متكررة بين الحين والآخر؛ لتوصيل الأدوية والمستهلكات والمحاليل الطبية، وتأهيل مراكز غسيل الكلى وتوفير احتياجاتها من أجهزة غسيل وغسلات، وإرسال الفرق الطبية لإجراء العمليات الجراحية التي شملت عمليات المخ والأعصاب، والعظام، وجراحة الأطفال، والمسالك البولية، والأنف والأذن والحنجرة، والمناظير، ودعم القوافل الطبية المستمرة في مجال طب العيون ومكافحة العمى، وبرنامج العيادات الطبية للأطفال ومرضى الكلى والمخ والأعصاب، ودعم المعمل المركزي ببورتسودان بالأجهزة التشخيصية وإقامة مشروعات في الإصحاح البيئي، وتوفير أدوية لأمراض محددة كالسرطانات ونحوها، وتوفير (مكملات تغذوية) ضمن برنامج الوقاية من سوء التغذية الحاد للأطفال والحوامل والمرضعات.
ومن أبرز المشروعات التي نفّذها مركز الملك سلمان لدعم المجال الصحي في السودان في فترة العامين الماضيين: إعادة تأهيل عدد كبير من المستشفيات الحكومية بالأجهزة والمعدات الطبية الحديثة، فقد تم إعادة تأهيل مستشفيات كبرى بعدد من الولايات التي استهدفت بالنازحين، فكان مشروع إعادة تأهيل مستشفيات ولايات شرق السودان والذي شمل مستشفيات: (القضارف التعليمي، كسلا التعليمي، وثلاثة مستشفيات كبرى بمدينة بورتسودان هي الحوادث التعليمي، والأطفال التعليمي والتقدم الريفي)، ومشروع آخر استهدف إعادة التأهيل بالأجهزة الطبية والمعدات لمستشفيات كبرى في ولايتي نهر النيل والشمالية هي: (المك نمر الجامعي بشندي، عطبرة التعليمي، الدبة المركزي، دنقلا التخصصي، البرقيق التعليمي، وادي حلفا التعليمي).
هذه أحد عشر مستشفى حكومي تمت إعادة تأهيلها بتأمين أجهزة ومعدات طبية حديثة كانت هذه المستشفيات بأشد الحاجة إليها، وقد توقفت كثير من الأقسام في تلك المستشفيات وضعف أداء بعضها بسبب عدم توفر الأجهزة الطبية بها، ومن أبرز ما تم تأمينه لهذه المستشفيات من الأجهزة الطبية والمعدات: أجهزة الطوارئ، وأجهزة العناية المكثفة، والإنعاش والإفاقة، والأجهزة المنقذة للحياة كأجهزة التنفس بأنواعها الثابتة والمتحركة، وأجهزة مراقبة المرضى، وأجهزة ضخ الحقن والمحاليل، وأجهزة متطورة لقسم العمليات شملت طاولات متحركة بخمس حركات وماكينات تخدير بمواصفات عالية وكشافات حديثة وأجهزة مراقبة المرضى داخل العملية، وأجهزة التشخيص والموجات الصوتية وأجهزة الأشعة المتطورة، والأجهزة الخاصة بالأطفال كالحضانات والدفايات، وأجهزة المعامل بأنواعها كأجهزة قياس هرمونات الغدد والخصوبة والأورام والسرطانات وإنزيمات القلب، وأجهزة التعقيم، والأسِرَّة الخاصة بالعناية المكثفة مع تجهيزها بجميع أدواتها وأجهزتها للكبار وللأطفال وحديثي الولادة، وأسرَّة التنويم وغير ذلك.
وقد سدّ هذا الدعم الاحتياج الكبير بهذه المستشفيات، وبعد تأمين هذه الأجهزة تم إعادة افتتاح كثير من الأقسام التي كانت مغلقة بسبب عدم وجود الأجهزة، وهو ما ذكرته الكوادر الطبية من استشاريين واختصاصيين وأطباء عموميين واختصاصي التخدير والأشعة والمختبرات الطبية بتلك المستشفيات، فقد بيّنوا أثر هذا الدعم في توطين العلاج بمستشفياتهم، وتوسيع دائرة الخدمات الطبية للمرضى، والتيسير على المرضى وعلى ذويهم، وقد وثّقت تلك الإفادات في مقاطع مرئية في سجلات هذه المشروعات الرائدة.
وقد أفاد معالي وزير الصحة الدكتور هيثم محمد إبراهيم في حفل تدشين مشروع الأجهزة الطبية لمستشفى البرقيق ووادي حلفا والذي كان بمقر السفارة السعودية بمدينة بورتسودان في26 فبراير 2025م برعاية سفير المملكة العربية السعودية سعادة الأستاذ علي حسن جعفر أفاد معالي الوزير بأنه خلال زياراته في الفترة الماضية لعدد من المستشفيات التي تم إعادة تأهيلها بالأجهزة الطبية بهذا الدعم من مركز الملك سلمان وجد أن عدداً من الأقسام كانت لا تعمل بتلك المستشفيات وقد انطلقت في أداء مهامها بعد تأمين الأجهزة الطبية بها.
ومما يذكر في الآثار المباركة لمشروعات إعادة تأهيل المستشفيات الحكومية بالسودان بالأجهزة الطبية بدعم حكومة المملكة العربية السعودية عبر مركز الملك سلمان خلال فترة العامين الماضيين أنه تم إنشاء وحدتين للعناية المكثفة للأطفال الأولى بمستشفى الأطفال التعليمي بمدينة بورتسودان، والثانية بمستشفى عطبرة التعليمي، وهاتان الوحدتان (العناية المكثفة للأطفال) لا يوجد غيرهما على مستوى جمهورية السودان في هذه الفترة، فقد سدّتا احتياجاً ضرورياً للأطفال، خاصة من أجريت لهم عمليات معقدة وهم بأشد الحاجة إلى غرف عناية مكثفة خاصة بالأطفال.
ومما يجدر ذكره في هذا المقام أنه وقبيل قيام الحرب بأقل من أسبوعين في 30 مارس 2023م تم تدشين مشروع إعادة تأهيل مستشفى جعفر ابن عوف المرجعي للأطفال بالخرطوم بالأجهزة الطبية لأقسام العناية المكثفة والعناية القلبية، وكان وقتها المستشفى المرجعي الوحيد للأطفال الذي يتم تحويل الأطفال عليه من الولايات، وكانت قد توقفت العناية المكثفة به عن العمل بسبب عدم توفر الأجهزة الطبية التي تم تأمين جزء كبير منها بواسطة مركز الملك سلمان في ذلك المشروع الذي دشّنه معالي وزير الصحة الاتحادي وسعادة والي ولاية الخرطوم برعاية سعادة سفير المملكة العربية السعودية.
ومما يذكر في آثار مشروع إعادة تأهيل المستشفيات الحكومية بالأجهزة الطبية أن مستشفى القضارف التعليمي، وهي من أكثر الولايات التي استهدفت بالنازحين طيلة فترة العامين الماضيين، ومن الولايات ذات الكثافة السكانية العالية قبل أن تكون وجهة لملايين النازحين، وبحسب إفادة سعادة المدير العام للمستشفى أنه بعد وصول الدعم بالأجهزة الطبية واكتمال تركيب الأجهزة الطبية بالمستشفى وتشغيلها والتدريب عليها وفي نفس اليوم تحققت إنجازات كبيرة بالمستشفى منها إجراء عدد (45) عملية في يوم واحد كانت معلقة، وذلك بعد افتتاح مركز عمليات الذي كان بحاجة إلى أجهزة غرف العمليات كالطاولات الحديثة وأجهزة التخدير ذات المواصفات العالية، وأفاد بإجراء عمليات عظام للأطفال كانت غير ممكنة، وتم افتتاح قسم العناية المكثفة القلبية بعدد كبير من الأسرَّة المجهزة وقد امتلأ القسم بعد ساعتين فقط من افتتاحه، وما ذكره سعادة مدير مستشفى القضارف هو صورة متكررة، وهو ما حدث في بقية المستشفيات التي تم إعادة تأهيلها في بورتسودان وكسلا والدبة وعطبرة ودنقلا وشندي والبرقيق ووادي حلفا.
إن هذا المشروع الكبير (دعم المستشفيات الحكومية بالأجهزة الطبية) افتتح به غرف عناية مكثفة وعناية وسيطة بعدد من المستشفيات التي كانت الحاجة ماسة لها، ومكّن الكادر الطبي من إجراء العمليات الكبيرة والمعقدة والتي تحتاج لوقت طويل، بعد تأمين ماكينات التخدير عالية الجودة، ووفّر هذا الدعم أجهزة تشخيص حديثة متعددة الخاصيات كانت بمثابة أُمنيات لتلك الكوادر.
ومن مزايا هذا الدعم أنه شمل ثلاثة مستشفيات بمدينة بورتسودان التي أصبحت العاصمة الإدارية للسودان في هذه الفترة، وتضاعف أعداد السكان بها بسبب النزوح وبسبب الحاجة إلى العلاج والسفر والإجراءات، فتمت إعادة تأهيل هذه المستشفيات الثلاثة بأجهزة ومعدات طبية كانت ولا تزال محل ثناء جميع الكوادر الطبية، وعامة المسؤولين، والمراجعين وذويهم، وتم دعم المعمل المركزي ومعامل المستشفيات الثلاثة بأجهزة متطورة للفحص والتشخيص، كما تم تأمين أجهزة أشعة متطورة وبمواصفات حديثة كجهاز (ديجتال إسكان)، وتم تأهيل مستشفى التقدم الريفي وهو مستشفى يخدم منطقة جغرافية ذات قطاع عريض بالمدينة والولاية، ومما تحقق بدعم هذا المستشفى إنشاء مجمع عمليات بأجهزة طبية متكاملة.
ومما يذكر في آثار هذا المشروع أن إعادة تأهيل المستشفيات بلغت آخر مستشفى في الولاية الشمالية وعلى الحدود السودانية المصرية بمدينة وادي حلفا على بعد (500كيلو متر من مدينة دنقلا) وقد تم اختيار المستشفى بإعادة التأهيل لحاجته الماسة للأجهزة الطبية في الطوارئ والعناية المكثفة والمعمل وأجهزة الموجات الصوتية والتشخيص وقسم النساء والتوليد وأسرَّة التنويم، لأن المستشفى تضاعف أعداد المراجعين به بسبب حركة السفر اليومية من وإلى جمهورية مصر العربية، وهذا مما يؤكد نوعية هذا الجانب من الدعم الذي يراعي الأولويات ويتفقد شدة الاحتياجات ولو كانت المناطق المستهدفة ذات الأولوية في الأطراف وعلى الحدود.
ولو أردنا سرد مزايا هذه المشروعات في إعادة تأهيل المستشفيات لطال بنا المقام وما ذكر هو نماذج، وبفضل الله تعالى فإنه قد تم تدريب العشرات من الكوادر الطبية على استخدام الأجهزة وتحقق توطين التشخيص والعلاج في جميع المستشفيات التي تم إعادة تأهيلها، ولم يعد المرضى وذووهم بحاجة إلى السفر إلى مناطق أخرى.
ولا يقتصر الدعم السعودي في الجانب الصحي والعلاجي في العامين الماضيين على ما ذكرت، فقد شمل الدعم تأهيل المركز التشخيصي ببورتسودان وتوفير جهاز أشعة (رنين مغناطيسي)، ودعم عدد من مستشفيات الأطفال، وصيانة محطة الأوكسجين العلاجي بمستشفى عثمان دقنة بمدينة بورتسودان، وإنشاء محطة أوكسجين جديدة بمستشفى الحوادث بمدينة بورتسودان، تم توريدها واكتمل تركيبها ويتوقع أن تبدأ عملها وإنتاجها في الأيام القادمة بمشيئة الله تعالى، وإنشاء محطة أوكسجين بمستشفى “النو” بمدينة أم درمان بالعاصمة السودانية تحقّق به سد حاجة ماسة للأوكسجين في زمان ومكان لا يخفى الوضع فيهما.
ومما له صلة بالجانب الصحي إنشاء محطة تحلية مياه خاصة بمستشفيات (الحوادث / الأطفال / النفسية / الصدرية) بمدينة بورتسودان بدعم مركز الملك سلمان لتوفير مياه شرب نقية للاستخدام الطبي، وللمرضى وذويهم، وقد تم توريد المحطة وإكمال تجهيزات عملها، ويتوقع بداية إنتاجها في الأيام القادمة بمشيئة الله تعالى.
ومن المشروعات التي نفذت بدعم مركز الملك سلمان في هذه الفترة تشييد وتأثيث وتجهيز مركز الدكتور عبد الرزاق الصالح الصحي بمنطقة السليم بالولاية الشمالية، وهو مركز صحي نموذجي تم تنفيذه في أقل من ثلاثة شهور والآن يعمل ويستقبل المرضى والمراجعين على مدار (24) ساعة ولشدة حاجة سكان المنطقة لخدمات المركز فقد باشر أعماله قبل الافتتاح الرسمي.
وما ختمت به الحلقة الأولى من ذكر المشروعين الضخمين لدعم مرضى الفشل الكلوي أحدهما للسودانيين النازحين بمصر والثاني لتأهيل ودعم مراكز غسيل الكلى بالسودان هو مما يذكر في صفحات هذا الدعم السعودي المبارك في هذه الفترة الاستثنائية التي يعيشها الشعب السوداني، ومن رغب في الاطلاع على مزيد من التفاصيل لما ذكرته وأذكره بإجمال في هذه السلسلة، فيرجى منه الاطلاع على (منصة المساعدات السعودية) على شبكة الاتصال، فإنها منصة توثيق مميزة، وذات خيارات متنوعة للبحث.
إن الصور والأشكال المتنوعة للدعم السعودي عبر مركز الملك سلمان في الجانب الصحي والخدمات العلاجية المتواصلة خلال العامين الماضيين واستمراره في هذه الولايات المتفرقة رغم ظروف الحرب وآثارها يؤكد حرص حكومة المملكة العربية السعودية وشعبها على الوقوف مع الشعب السوداني في الأوقات الحرجة، وتخفيف معاناته، وتقديم العون والمساعدة له في أصعب الظروف وأشدها عبر ذراع المملكة العربية السعودية في العمل الإنساني “مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية”.
وأواصل في الحلقة التالية – بمشيئة الله تعالى .