منوعات

ابراهيم عابدين يكتب ..قراءة نقدية.. فانتازيا قصة :- زوج من أجل اجاك الطويلة ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

قراءة نقدية..
فانتازيا قصة :-
زوج من أجل اجاك الطويلة..
عبدالعزيز بركة ساكن قاص وروائي من الصعب تجاوز إبداعه القصصي والروائي ، فهو يشكل علامة فارقة في جسد الإبداع السردي السوداني .وإن كنت أرى أن إبداع بركة الروائي ” المركزي ” يتمثل في ” ثلاثية البلاد الكبيرة ” و
” الجنقو مسامير الأرض ” و ” مسيح دارفور “.وما كتبه بعد ذلك هي تنويعات على
هذه الأعمال التي ذكرتها ، قد يختلف معي البعض في هذا الرأي ولكنه في النهاية رأي شخصي قابل للخطأ والصواب.
هذا ما أردت قوله قبل أن انتقل إلي كتابات بركة في مجال القصة القصيرة ، وهنا الأمر يختلف ، فكل قصة قصيرة تقرأها لبركة في مجموعاته القصصية او في الصحف والمجلات او
في أي موقع للميديا ،
تأسرك بشكل مدهش
حتى إنك يمكن أن تصدق ما قالته والدة بركة بأن ” الجن يساعد بركة الإلهام ”
ليكتب مثل هذا السرد
اللافت.
دونك هنا قصته:-
” زوج من أجل اجاك الطويلة “..قبل كل شئ
تأخذك الحسرة على نصف “البرتقالة ” الذي
إنشطرت ، فتوزع الوطن . نصفه للحروب والحريق ، ونصفه يحاول النهوض بما يملك من أرض بكر واعدة بالأخضرار والإشراق وإنسان
” أسطوري ” جميل وودود، ويستحق الحب والإخاء… ولكن هل يرقص الجسد رقصة الجمال بنصف واحد وقد إنشطر نصفه الأخر ؟؟ وهل اليد الواحدة يمكن أن تصفق؟؟ عذرا لهذه “nostalgia”
التي أثارتها فينا الجميلة ” اجاك الطويلة ” في قصة بركة ساكن هذه …

 


اجاك الطويلة ،رغم دلالة إسمها الجنوبي
فهي إمرأة لها في الشمال ” حياة ” و
“قصة “..( بعد سنوات من الحياة في مدينة الخرطوم ، والدراسة المتواصلة ، عمدت اجاك للعودة إلي مسقط رأسها في ابيرو وهي قرية صغيرة تابعة لمحلية شوبيت برمبيك ولاية البحيرات بجنوب السودان .) ورغم الانقطاع الطويل عن قريتها فأن اجاك تذكر كل شئ عنها ( ما زالت
تتذكر كل شئ عن القرية ، ولم تنس اللغة او العادات والتقاليد ،
ومازالت تذكر جداتها وجدودها ، وكل من كان في القرية حين مغادرتها)..مثلما وصف الشاعر ” إسماعين حسن ” ” ميري ” في الأغنية التي تغني بها الفنان النور الجيلاني،
هاهو بركة ساكن يصف اجاك الجميلة :-
( اجاك من الجيل الجديد في القرية ،
حيث لم توشم في جبهتها بعلامات القبيلة
واحتفظ لها والدها بأسنانها الأمامية البيضاء المشعة ، كلما لم تأت به معها مرة أخرى هو السكسك الذي يحيط بخاصرتها
تلك الخرزات البيضاء
والسوداء ، حيث إنها أصبحت بدينة بعض الشئ ولم تحمل ضغط الخيط على خاصرتها،
ذلك تركته في البيت بالخرطوم ، لكن غير ذلك كانت اجاك كما هي ، طويلة ، ممشوقة
القوام مثل شجرة تك ،
سوداء البشرة ليست كقلب الأبنوس ، بل مثل الليل ذاته ، صدراء ناهد ، لها ازرع طويلة رقيقة ، وعينان بهما نظرات حادة وثاقبة كعيني النمرة ،
ويجب أن يلاحظ شئ أخر أيضا ، أن اجاك لم تتزوج إلي تلك اللحظة).. وهنا هي
“عقدة” قصة ” زواج اجاك الطويلة ..
طقوس الزواج عند قبيلة” اجاك الطويلة ”
( كانت اجاك فارعة القوام ، سوداء كالليل ،
لها ذراعان طويلان رقيقان ، وعينان تشعان رغبة ، كعيني نمرة ، وهذا مهم جدا لآن اجاك سوف تقيم بعد قليل وفقا لقوامها وجموح جسدها اللذان سوف يقدران من هو الزوج وكم هي الأبقار التي تستحق كمهر لها)
ترى كم تستحق اجاك الطويلة من الأبقار كمهر لها ؟؟ اجاك الطويلة لأنها ندية وشديدة السواد وممشوقة القوام ، لذا
حددت امها مهرها بما يفوق الألف بقرة !!
( وهذا ما لا يتوفر لشخص عادي ).فمن اين لزوج بألف بقرة في وقت تهب فيه بقايا الحرب التي دارت عشرين عاما في المكان ، ( قضت على مراحات كبيرة من الأبقار وأضعافها من الإنسان ) اجاك الطويلة همست لأمها:-
(بأنها ستتزوج رجلا من الخرطوم ، ليس من الدينكا ، بل هي لا تعرف قبيلته وإنه يعمل في الصحافة ،
وطبعا سألتها امها هما هي الصحافة ، فلم تستطع اجاك ان تجد لغة مناسبة لشرح الكلمة، لم تمانع الأم ولكن فقط أكدت على عدد البقرات )..
والمفارقة أن اجاك تعرف حبيبها الصحفي في الخرطوم .(إنه لا يمتلك ولا عجلا واحدا
إنه صحفي يا امي .)!!
بين عدم قدرة أهل اجاك الطويلة توفير مهرها الغالي ، وحلم اجاك بحبيبها الصحفي
في الخرطوم ..وكما في حكايا الأساطير ،
والفانتازيا يأت من بعيد من يقدم نفسه لخطوبة اجاك ، ونسبة
للطريقة الشاذة التي قدم بها نفسه قالت اجاك عنه في نفسها :
إنه موهوم. ( من الرسومات والوشمات التي في بطنه وعلى جبهته وكتفه العاري ،
عرف الجميع إنه لم يكمل عامه الأربعين.
وأوضح العقد الذي يلتف حول عنقه وعلى ساعده أنه قتل نمرا او نمورا كثيرة ، لم يندهش الناس كثيرا لعريه ، فلقد كان عاريا تماما يطلي جسده بالرماد ، حتى لا يكاد للناس ليعرفوا لونه الطبيعي .)..إندهش الناس من طريقة تقديمه لنفسه كزوج لاجاك الطويلة:-( عن
الطبل الذي جاء يحملها على كتفه مع حرابه ، أيقظ القرية
كلها ذات صباح باكر ، وغنى بصوت قوي كأنه زئير الأسد ، ولما هب الناس إليه رقص قافزا في السماء عشر نقزات ، كان طويلا ونحيفا ، وقال : انا
اسمي طون قوقريال طون ، أنظروا إلي تلك السحابة ما هي إلا أغبرة حوافر الأبقار التي أتيت بها مهرا لاجاك، سوف لا تجدون مكانا تحفظونها فيه بالقرية
ستصلكم بعد قليل.)..
قالت اجاك إنها لن تتزوجه ولو أنه جاء بأبقار العالم كلها …
ولكن كان لأمها رأي أخر:( اكدت لها الام أنها سوف تتزوجه رضيت ام لم ترض، لأن امها اذا كانت قد رفضت الزواج من والدها لما كانت هي على قيد الحياة الآن،
وإن مهرها ملك لأسرتها وليس ملك لها هي ).
أغلب قصص بركة ساكن تأتي ناهياتها مفتوحة على أكثر من قراءة وأكثر من تأويل
وهذه واحدة من الصيغ التي تميز السرد
في أرقى تجلياته الجديدة ..ولن ازيد بغير تقديم نهاية قصة
( زوج من أجل اجاك الطويلة ) كواحدة من
قصص بركة ساكن اللافتة بكل جمال ودهشة:- ( عندما إنشغل الناس بعد الأبقار وصنع الزرائب ،
وإقتراح القسمة ، هربت اجاك لتحتمي بالغابة ، كانت تجري بأسرع ما تستطيع ، وعندما توغلت في الدغل ، شاهدته يجري
خلفها ،سريعا كما الريح ، أمسك بها ، حملها على كتفه ، ومضى في خطى سريعة ناحية النهر ،
وهو يغني بصوت أجش ماكر .)…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى