إن فوكس ــ نجيب عبدالرحيم najeebwm@hotmail.com ــ التعافي الاجتماعي والمصالحة الوطنية ! (2) ــ بعانخي برس
بعانخي برس

تترك الحروب دائمًا وراءها دمارًا ماديًا، لكن أخطر ما تخلّفه هو ذلك الشرخ العميق في وجدان المجتمعات. السودان اليوم ليس فقط بلدًا خربته الحرب في العمران والمؤسسات، بل هو جسد مثقل بجراح اجتماعية ونفسية، تكسّرت فيه الثقة بين مكوناته، وتشوّه فيه شعور الانتماء المشترك، وتمزقت روابط الأحياء والمدن والقبائل والأصدقاء.
لقد عاشت البلاد تجربة مريرة من الاحتراب الداخلي، حيث انقسم الناس وفقًا لهوياتهم الإثنية أو الجهوية أو حتى السياسية، وحيث تحوّلت مآسي الحرب إلى مادة للتعبئة والتعبئة المضادة، وتم استغلال الألم لخدمة الكراهية، بدل أن يكون دافعًا نحو الوعي والسلام. اليوم، إذا أردنا أن نبني وطنًا جديدًا بحق، فلا بد أن نبدأ من الداخل الإنساني، من إعادة بناء الثقة، ومن معالجة الخوف والشك والانكسار، من تمكين لغة التفاهم بدل منطق الثأر، ومن فتح النوافذ بدل تكريس الجدران.
التعافي الاجتماعي لا يأتي تلقائيًا بانتهاء المعارك. بل هو مسار طويل، يتطلب حوارًا شجاعًا، يواجه الحقائق ولا يهرب منها، ويضع الضحايا في قلب العملية، لا على هامشها. يتطلب أن نسمع بعضنا البعض، وأن نؤمن بأن الآخر، مهما اختلفنا معه، ليس عدوًا بل شريكًا في المصير. وأن الألم الذي أصاب أحدهم هو ألمنا جميعًا، لأن التمزق الذي أصاب المجتمع لن يُشفى بتجاهل جراحه.
في هذا السياق، لا بد من مشروعات عملية للتعافي: مبادرات مجتمعية تستعيد ذاكرة التعايش بين القرى والمدن؛ برامج نفسية لمعالجة آثار الصدمة بين الأطفال والنساء والناجين من العنف؛ مناهج تعليمية تربي على التسامح والمواطنة؛ مؤسسات إعلامية تعيد تعريف خطابها بعيدًا عن الكراهية والتحريض؛ وسياسات عامة تُبنى على الاعتراف المتبادل لا الإقصاء المتبادل.
المصالحة الوطنية ليست صكّ غفران جماعي ولا دعوة للنسيان، بل هي فعل ناضج يتأسس على الحقيقة والعدالة والاعتراف، لا على الصمت والتجاهل. لن تكون هناك مصالحة بلا مساءلة حقيقية، ولا جدوى من مساءلة بلا أفق إنساني يرعى كرامة الجميع. ما نحتاجه هو مسار مزدوج: نُحاسب فيه الجناة، ونُعيد فيه دمج الضحايا، ونمنح الناس فرصة لقول رواياتهم بحرية، خارج قاعات المحاكم وخارج حدود الخوف.
ولا يمكن لهذه العملية أن تكون فوقية أو نخبوية فقط، بل يجب أن تُبنى من القاعدة، من المجتمعات المحلية، من لجان السلام الشعبية، من مشايخ القبائل، من منظمات الشباب والمرأة، ومن قادة الرأي المحليين الذين يعرفون طبيعة الأرض وموازينها. فالمجتمعات التي تصالحت من الداخل قادرة على تجاوز ما لم تستطع الدول أن تتجاوزه لعقود.
نحتاج لأن نُدرك أن الخسارة الحقيقية ليست فقط في عدد الضحايا أو البيوت المهدّمة، بل في النفوس التي فقدت الأمل في العيش المشترك. وأن أعظم إنجاز نحققه في مرحلة ما بعد الحرب، هو ترميم هذا الأمل، وبثّ روح جديدة في العلاقات بين السودانيين، تقوم على قاعدة بسيطة وواضحة: نحن جميعًا أبناء هذا الوطن، وقد نختلف، لكن لا يجب أن نقتتل من أجل هذا الاختلاف.
إن لم ننجح في بناء سلام داخل المجتمع، فلن يُجدي السلام السياسي شيئًا. وإن لم نُعالِج الجرح المجتمعي، وتنوير الناس بما يب فستظل نار الحرب تحت الرماد، تنتظر فرصة أخرى للاشتعال. والتاريخ القريب يذكّرنا أن التجاهل أخطر من الفشل، وأن من لم يصغِ لصوت الذاكرة سيسمع صدى الانفجار.
نمنح الأولوية لبرامج التعافي الاجتماعي، وأن نُعيد التفكير في معنى “الوحدة الوطنية” ليس كشعار، بل كواقع يجب ترميمه بالحكمة والاعتراف والشجاعة. فالأمم لا تنهض على الأنقاض فقط، بل على المصالحة مع الذات والآخر
التصدي لحملات (التطليس) والتضليل والتخوين التي تقودها الأقلام المأجورة المسمومة التي تطعن الوطن في خاصرته وقلبه وقلب الحقائق على الأرض وإثارة الرأي العام وتحتاج إلى إعادة بناء على أسس مهنية وموضوعية .. بعد إسكات صوت البندقية ، يصبح الإعلام قوة مأثرة وأكثر أهمية من الحلول الأمنية لكسب الثقة وتحقيق الأمن والاستقرار داخل المجتمع. فالإعلام يلعب دورا محوريا في تشكيل الرأي العام وتعزيز التماسك الاجتماعي.
الديمقراطية لن تأتي بالبندقية مهما حدث ويحدث سيسكت صوت البندقية ..لا تنسوا ألحان الديسمبريون ( الأسود غير المروضة ) .. السلطة سلطة شعب . الثورة ثورة شعب .. العسكر للثكنات والجنجويد ينحل.. ومدنية وإن طال السفر.
مسار الوسط من أنتم ومن الذي فوضكم يا أرزقية .. هل يعقل أن يقود أعمى بصير ؟؟
لا للحرب .. لا للدمار .. لا للموت المجاني ..لا وألف لا.. نعم للسلام..
المجد والخلود للشهداء
لك الله يا وطني فغداً ستشرق شمسك