
* عندما عُيّن الأستاذ خالد الأعيسر وزيراً للثقافة والإعلام، وهو في قمة توهجه الإعلامي عبر القنوات العالمية التي كانت تتسابق لاستضافته لما عُرف عنه من قدرات فائقة في مقارعة الخصوم من مستشاري المليشيا ومعاونيهم، أذكر أن الأستاذ محمد عثمان الرضي ــ الكاتب الجريء ــ قد ناشده يومها ألا يقبل بالمنصب، حتى لا يخسر الوطن من هو افيد له في مرافعاته المزلزلة للمليشيا أمام أعين العالم عبر الفضاءات بالعمل الديوان العقيم ولا يخسر هو المساحة التي أبدع فيها وحقق النجومية والمحبة، حتى لقبوه بـ السوخوي..وكأن ود الرضي كان ينظر بعيني زرقاء اليمامة لما ستؤول إليه الأمور إن قبل الأعيسر بالمنصب، وهذا ما حدث بالفعل.
* فبعد مجئ الأعيسر إلى الوزارة متحمساً للنجاح، اصطدم بواقع الوزارة الذي لم تسع الدولة منذ سنوات بعيدة إلى تغييره لتاخر الثقافة و الإعلام في اولوياتها ولم يفلح في كسب عتاة الحفارين والنجارين الذين لا نظير لهم في العالم..فكان أول ما فوجئ به ــ قبل أن يكمل عامه الأول ــ سحب مهمة الناطق الرسمي باسم الحكومة منه ، ليصبح أول وزير إعلام ممنوع من الكلام ! برغم أن من أهم أسباب اختياره للمنصب نجاحه في الدفاع القوي عن الجيش والحكومة حين كان الآخرون يتهيبون ذلك .
* وبهذا القرار الغريب فقد الأعيسر أهم أدوات نجاحه ، وأهم أسباب وجوده، بل فقد ثقته في الآخرين، ولم يكتفِ المتربصون بذلك ، بل أجهضوا أول قرار يصدره بشأن الملحقيات بطريقة مهينة لهيبته ، ليدخل بعدها في حالة اشبه بفوبيا إصدار القرارات .. والآن هو الوزير الوحيد في حكومة الأمل الذي لم يصدر حتى اليوم قراراً واحداً ، والذي لم يرفع اية توصية بتعيين اي قيادي في مؤسساته المتكلسة لضخ دماء جديدة تتناسب مع خططه وتحديات المرحلة ولا حتى داخل وزارته التي وجد بها ثلاثة وكلاء والثالث ــ كما يُتداول ــ هو الوكيل الذي اعقب الرشيد سعيد ، وما يزال موجوداً ويتقاضى مخصصاته كاملة ! والذي أن صحت الرواية فهذه مصيبة في وزارة محجمة ومكبلة لا تحتاج لأكثر َمن وكيل واحد ، فوجود ثلاثة وكلاء يتقاضون مَخصصاتهم ، لم يحدث حتى في مجلس الوزراء الاتحادي بكل حجم مهامه.
* وبعد مهزلة الملحقيات وحالة تهيب الأعيسر من القرارات ، لم يُصدر أي قرار بتعيين مديرين لقنوات الولايات بالتشاور مع الولاة بعد إيلولتها لوزارته ، ولم يتخذ إجراءً بشأن من أحيلوا للمعاش منهم،، كما أثقل علي الأستاذ البزعي بتوالي التجديدات له بعد معاشه، و مشقة تنقله المستمر بين عطبرة مقر (هنا ام درمان) وبورتسودان حيث يوجد تلفزيون السودان كما لم يرفع للرئيس اية توصية بتعيين مدير لقطاع التلفزيون بعد اعتذار عمار شيلا ، .. وظل المجلس القومي للثقافة والفنون وبقية المؤسسات التابعة لوزارته شاغرة المناصب القيادية، بعد أن غادر من بها مع حمدوك و تقاعد الاخرين للمعاش والوزير بين ضعف الإمكانيات.. و تربص الكائدين واحساسه بتجريده من سلطة القرار تضاءلت طموحاته
* و الأعيسر قوي الشخصية ليس مثل فيصل محمد صالح ـ الوزير “القحاتي” الأسبق ـ الذي كان سلبياً أمام سطوة وكيله الرشيد سعيد، والذي كان يتجاوز مهامه ويتدخل في الهيئات بإيقاف مذيعين وإلغاء برامج وفرض قرارات فصل حتى على عمال سونا تحت مظلة إزالة التمكين ، فالوكيلة سميه الأقرب له تعرف حدودها وهي زولة خدمة مدنية الا ان مشكلته في انهزامه النفسي السريع مما تفاجأ به ولم يكن يتوقعه ، بعد ان جاء متحمساً من الفضاء الحر لينجز الكثير من موقعه الرسمي الجديد لكنه وجد نفسه مكبلاً ،
* وربما يكون قد فكّر كثيرا في الاستقالة كما فعلها بقناة النيلين الرياضية ايامها وقد ظنت الناس أنه بصددها حينما فاجأهم بالكتابة لايام في صفحته باسم _المواطن_ ثم تراجع تحت ضغط وطنيته التي جاءت به من الخارج. هكذا يبدو
* واليوم ، يقف الأعيسر على رأس وزارة بلا إمكانات بشرية ولا مالية ، ووزيرها ممنوع من الكلام، ومساحته الوحيدة هي منبر _سونا_ العريق الذي كان يقام أسبوعياً في عهد الإنقاذ ، وبالطريقة نفسها..وقد نقلته مديرتها د. فكرية أبا يزيد بعد سقوط الخرطوم إلى مدني وظلت تعقده هناك بانتظام حتى سقوط مدني وتقاعدها للمعاش
* والأعيسر ــ الذي تربطني به علاقة حميمة وتواصل مستمر أمام امتحان صعب لتجاوز مطباته والتي تحتاج منه للهدوء وتغيير منهجه بمنهج جديد يعيد فيه ترتيب مؤسساته و أوراقه ومراجعة علاقاته مع الآخرين بشكل يعيد له سلطاته ويفتح له أبواب النجاح أو يتخذ مايراه مناسبا من قرار بتروي فالنقد المكثف له نلاحظ انه قدجعله يخرج عن طوره وينشغل كثيرا بالردود على مايكتب وعلي ما يقال ويتعامل بردود الافعال، مما يزيد من تعميق عدواته ورجل الدولة اي رجل منهم فإن في عمله في المجال العام عرضة للنقد والنقد الموضوعي هو الساق الثاني للنجاح فاستفد اخي الاعيسر من البناء ولا تلتفت للهدام وأمضى للإمام بمنهج جديد خذ فيه كتابك بقوة وتجاوز فوبيا القرارات والنقد وخلق عداوات جديدة واجعل ردودك بالإنجاز والإنجاز وحده وذهابك أو استمرارك في الموقع بيد الله لأبيد احد والمهم في التاريخ الأثر الذي تتركه في فترتك والذي سيذكرك به الناس عندما ترحل





