
محمد الأمين جاموس
= = =
بنى مواطنو شرق الجزيرة آمالًا كبيرة، بعد عودتهم من رحلة النزوح القسري، على مُباشَرة مصرف الادخار والتنمية الاجتماعية، فرع ودراوة، لعمله من داخل المدينة، بعد استعادتها من قبل القوات المسلحة. وتحدوهم فرحة وأمل بتحقيق ما أفسدته الحرب من خراب بائن، وهم يخططون لتعمير منازلهم المنهوبة وتهيئة مصادر رزقهم بعد أن سلبت الحرب ما يملكون من متاع، وعينهم على فرع البنك ليضطلع بدوره الرائد في التنمية الاجتماعية والإسهام في تخفيف معاناة فئة كبيرة من مواطني المنطقة.
ويبدو أن هذه الفرحة (مؤجلة) حتى عودة الحياة لفرع ودراوة، الذي كان من أميز الفروع خلال أزمة السيولة التي ضربت البنوك قبل ثورة ديسمبر المجيدة في 2018، فقد خلف تأخر فتح فرع الادخار فراغًا عريضًا وأسئلة كثيرة عن أسباب هذا الغياب غير المبرر الذي لا يتناسب مع علاقة مواطني المنطقة الحميمة والجيدة بهذا الصرح؛ مما جعلهم ينتظرونه لمعالجة ما أفسدته الحرب بقدر الإمكان وتطييب واقعهم المثخن بالجراح. وهم، كما يعلم الجميع، أكثر المناطق التي مارست فيها مليشيا الدعم السريع البطش والتهجير القسري لكل سكان المدن والقرى، ومن ثم نهب ممتلكاتهم وتدمير مصادر دخلهم، فهاموا على وجوههم حينًا من الدهر إلى أن استقر بهم الحال في القرى والمدن الأكثر أمنًا، هذا بالإضافة إلى تدمير جزء كبير من القطاعات الخدمية مثل الكهرباء والمياه والمرافق الصحية وغيرها من مكتسبات المواطن التي أسسها بجهده الشعبي.
مع كل هذه الإفرازات التي خلفتها الحرب اللعينة، كان الأمل – ولا يزال – معقودًا على العودة السريعة لبنك الادخار والتنمية الاجتماعية، فرع ودراوة، ليُمارس دوره المعهود في تقديم خدماته المصرفية والتمويلية حتى تكتمل صورة الإعمار والتنمية الاجتماعية التي هي جزء أصيل من أهدافه، لا سيما أن البنك هو الوحيد في المنطقة؛ إذ تلجأ إليه أكثر من 40 قرية تابعة لوحدة ودراوة الإدارية لقضاء حوائجها البنكية، آخذين في الاعتبار معاناة أرباب المعاشات الذين أرهقتهم أوزار الحرب، وكثير منهم أقعدتهم الحيلة وقصر ذات اليد عن صرف استحقاقاتهم المالية خلال فترة انتقال عمل الفرع إلى كسلا، والآن يحدوهم الأمل ويرفعون أكفهم عقب كل صلاة لعودة البنك للعمل من داخل المدينة، بجانب رغبة الكثيرين في استلام رواتبهم عبر القنوات المصرفية؛ خاصة أن شباب ودراوة قد تصدوا ببسالة لمحاولات سرقة أجهزة الفرع واحتفظوا بها في مكان آمن، ومن ثم إرجاعها، وبذلك لا تحتاج عودة الفرع سوى القليل من الجهد لممارسة مهامه.
وما يتخوف منه المواطنون هو مواصلة عمل الفرع من مكان آخر، إذ سيزيد ويضاعف من معاناتهم وسيبدد آمالهم في عملية استبدال العملة التي قد يصدر قرار في أي لحظة بتحديد سقف زمني لصلاحية العملة القديمة، فلا يعقل ولا يستقيم المنطق في تكبد مشاق السفر لإجراء عمليتي (الإيداع والاستلام) اللتين قد لا تتمان في سفرة واحدة، هذا بالإضافة إلى منتظري التمويل من المزارعين وموظفي الدولة لتعمير منازلهم التي يرثى لحالها الذي يغني عن السؤال.
تصوير: حسان عبدالرحيم