دوامة الانقلابات العسكرية
في العرف العسكري السوداني يسمي العسكريون كل من هم خارج منظومتهم الوظيفية بالملكية و عندما يوصف احدهم بعبارة الملكي يسود وجهه و هو كظيم فهذه تعد إهانة بالغة في حقه لان للعساكر انطباع راسخ تجاه المدنيين بانهم قوم ينقصهم الإلمام بأسس النظام و الانضباط و بالتالي فالإنسان المدني في نظرهم مهما علا شانه فهو (زول ملكي ساكت).وهذا الانطباع يحرك مشاعر الكثيرين من الجنرالات خصوصا المغامرين منهم فحالما يصل احدهم إلي رتبة العقيد يتنامى بداخله شيطان السلطة و ينصبه ملكا علي ارض السودان و الأنهار تجري من تحته حينها تراوده أفكاره بإقصاء الحكومة المدنية من المشهد السياسي بالكامل و يري أن الأمر لا يكلفه سوي كسب ثقة زمرة من زملائه الضباط يتم توزيعهم بين القيادة العامة و القصر الجمهوري و بعض كباري العاصمة و يتوجه القائد للإذاعة القومية لتلاوة بيان الانقلاب , فاذا رجعنا للوراء قليلا و استرجعنا الحقب التاريخية القريبة للسودان الحديث نجدها دوامة انقلابات عسكرية لا اكثر فقد شهدت بلادنا منذ الاستقلال مجموعة من الانقلابات العسكرية تتشابه جميعها في إطاحتها بالحكومات المدنية و انهيارها أمام هدير الجماهير الثائرة .
في العام 1958 قام الجنرال إبراهيم عبود بالانقلاب علي الحكومة المدنية و أسس نظام حكم عسكري استمر حتي العام 1964 و في عام 1969 قاد العقيد جعفر محمد نميري انقلابا علي الحكومة المدنية وفي نفس اليوم أسس مجلس قيادة الثورة و تراسه و ترقي إلى رتبة لواء أما انقلاب 1989 الذي قاده العميد عمر البشير و أطاح بحكومة الصادق المهدي و أسس نظاما عسكريا إسلاميا يعتبر الأطول في مدته الزمنية أسقطته ثورة ديسمبر المجيدة في الحادي عشر من أبريل 2019 و آخر الانقلابات هو انقلاب البرهان الذي نفذه في الخامس و العشرين من أكتوبر 2021 و اغتصب بموجبه سلطة الحكومة المدنية الانتقالية و ما زال يتراس الدولة و قيادة الجيش إلى يومنا هذا بعد أن غرقت البلاد في دمائها ووصلت إلى أسوأ مرحلة من التدهور علي الإطلاق في تاريخها الحديث بسبب خلاف بينه و نائبه الأول حميدتي ما زال المواطن البسيط يدفع كلفته موتا و تشريدا و جوعا وإهدارا لكل موارده .
مع ذلك لا يمكننا الجزم بفشل جميع الأنظمة العسكرية في السودان و لكن فكرة الانقلابات في الأساس قائمة علي مجموعة محدودة من الأشخاص لا يتعدون العشرين ضابط يتحكمون في مصير بلد بأكمله كما انهم يديرون شئون الشعب بلا شرعية دستورية و بلا برلمان يمثل المواطنين و اذا سمحوا بتكوين البرلمان يأتي هزيلا يعبر عن رغباتهم فقط و عليه فان الانقلابات في بلادنا أدت إلى علينا آثار سلبية عديدة منها زعزعة الاستقرار السياسي و إضعاف المؤسسات الديمقراطية و توجيه جل موارد الدولة نحو الإنفاق العسكري علي حساب الخدمات التعليمية و الصحية و الاجتماعية و الدخول في مواجهات غير متكافئة مع الدول العظمي و المجتمع الدولي أفضت إلى فرض العقوبات القاسية و الحصار طويل المدي علي المواطنين الأبرياء و هذا قليل من كثير.