
عندما نتبنى فكرة فنحن نتبناها للمبدأ والجوهر ولا نتبناها لأنها عكس ما ينادي به الطرف الآخر، ومن يشاكس المبادئ لان من أتى بها خصم سياسي هو جاهل وهذا للأسف ما نراه في القطيع الذي يساند الحرب لا يستطيع أن يقر المواقف الصحيحة إن أتت من شخص لا يتفق معه على بل بس وحاشا لله أن أكون من الجاهلين، وكل ما نقاتل من أجله هو دولة القانون والمواطنة لنا ولسوانا.
فكرة ومبدأ الهوية القومية تقوم على الوحدة والانطلاق من أساس واحد يشكل المخيال الجمعي للمجتمع وعندما تنادي بوجوب إشاعة القومية في مؤسسات الدولة ذلك يعني أن تكون هذه المؤسسة تمثل الجميع بنفس القدر او تلتزم الحياد ولا تمثل جهة دون الأخرى، ويتجلى هذا المبدأ في الزي الذي يظهر به مذيع التلفزيون القومي، ونأخذ قضية زينب ايرا كمثال التي كانت مذيعة في تلفزيون ولائي يمثل ثقافة معينة وأصبح تلفزيون قومي بسبب الحرب يبث لكل السودان واذا طبقنا مبدأ القومية يجب على المذيع اياً كانت قبيلته وثقافته أن يعكس الجميع او يلتزم الحياد وهذا ما قاله البزعي لزينب عندما كانت تفتتح البرنامج بلغة البجا وقال لها اما أن تحي الناس بكل لغاتهم او التزمي بالتحية باللغة العربية التي يفهما اغلبية من يستمعوا اليك،
سياتي من يختلف معي حول اللغة العربية ويقول هي ليست لغة جميع السودانيين السؤال هو هل يوجد لغة جامعة للسودانيين؟ الإجابة لا، اذا يمكننا أن نختار لغة نتفاهم بها مع المختلف عنا لغويا” وبما أن غالبية أهل السودان من المسلمين وتعلموا القران العربي اذا هذه لغة فرضتها الظروف والمحيط الجغرافي وسهلت التواصل، و اذا كانت زينب تريد أن تعكس القومية عليها أن تخرج من ثوب القبلية، وهذا هو المبدأ الذي قامت من أجله الكثير من الخلافات وبدلاً عن البحث عن القومية نذهب جميعاً للإصرار على تمثيل العنصر كحل لغياب أساس قومي للغة والزي،
اذاً انت لا تنادي بالقومية انت تنادي بتمثيلك بشكل عادل وفي هذه الحالة يجب أن يمثل الجميع بشكل عادل ويرتدي النوبي والشرقاوي والوسطي والجنوبي زيه القبلي، يرتدي هويته القبلية ليحدثني عن قضايانا القومية والوطنية!! وهذا ليس حل، و اذا كان الثوب السوداني الذي ينسب ظلما” لأهل الوسط لا يمثلك فثوبك القبلي لا يمثل الكثيرين، وستجد هذه الفكرة أيضا” تطبق على الفاسدين الجدد في مؤسسات الدولة الذين تمردوا وحملوا السلاح بسبب الاقصاء والفساد والظلم و بمجرد أن امتلكوا السلطة فسدوا وسرقوا وعينوا الموظفين على أساس قبلي،
اذا” مشكلته لم تكن الاقصاء والفساد بل كانت انه لم يمنح الفرصة ليسرق ويفسد مثل الاخر، اذاً الحل أن نحدد هوية قومية رسمية وفقا” لمعايير واضحة فالقومية في بلد مثل السودان مختلف الاقاليم تصنع صناعة، ونعود للملابس السودانية تاريخيا” لن تجد الثوب السوداني بشكله الحالي في أي إقليم، واسمحوا لي أن اسحب النقطة عن الثاء واناديه بالتوب كما درج عند المجتمع السوداني،وحتى الكربة التي قامت من أجلها كل هذه الزوبعة هي ليست اللبس التقليدي الأصلي لقبائل البجا، اقدم تواجد للقماش الذي يلف جسد النساء دون خياطة ستجده عند ملكات البجراوية و الدينكا حيث كان زي مخصص ليميز الملكة البجراوية وكان يلف حول الوسط ويمتد للكتف، واللاو عند الدينكا يربط اعلى الكتف وينسدل للاسفل والنساء في الوسط تاريخياً كن يرتدين الرحط في الطفولة وهو قطعة من الجلد مقصوصة على شكل شرائط رفيعة تربط في وسط الطفلة قبل الزواج وفي يوم الزواج يقطع العريس الرحط ويلف حولها قطعة من قماش القرمصيص تعرف بالقرقاب تضاف له لاحقا” قطعة تغطي اعلى الجسم عندما ينضج جسم الفتاة تسمى بالشقة، وكذلك الكربة التي تلبس في شرق السودان هي تطور لثوب يربط على الوسط ويرمى في الكتف وهذه الأزياء فرضتها بدائية الحياة وغياب أدوات الخياطة وتعذر الحصول على الفستان الذي يعتبر تطور طبيعي للقرقاب و الشقة ،
هنالك صورة متكررة نراها ونتعجب منها وهي صورة الجدة في شبابها التي ترتدي فستان قصير دون توب وتجلس امام المصور لتوثق زواجها وستجد التوب نادراً جدا في هذه الصور لأنه لا يمثل الثقافة بل ظهر بشكله الحالي في اوخر القرن الثامن عشر من 1890 الى 1900 مع وصول الاتراك و الانجليز والهنود والنقادة الى السودان،
اول ظهور للتوب بشكله الحالي كان توب القنجة وهو توب من الدمور الأبيض لذلك نجد أن التوب الأبيض يعتبر هو الزي الرسمي باعتباره اقدم اشكال التوب وعندما تطور ظهر الزراق والذي كان يصبغ بلون ازرق نيلي، ويجب ان نثبت أن لف الجسد بقطع المنسوجات غير المخيطة هو تقليد عالمي قديم تواجد عند الرومان والفراعنة واليهود والافارقة والعرب، كان تطور طبيعي مع وجود الاقمشة المنسوجة بالنول او بالمغزل، والتي ارتدى الانسان قبلها جلود الحيوانات، اذا” التوب السوداني هو تطور للقرقاب والرحط او القطعتين من القماش وهو الزي الذي ارتدته كل نساء الشعب السوداني في المنطقة وربما حتى تشاد بل يعتبر زي عالمي في تلك الحقبه وماسبقها، وستجد شكل الثوب السوداني في تونس والمغرب وليبيا و موريتانيا وستجد الرجل السوداني يرتدي نفس الثوب بشكل مختلف حيث وصف المؤرخون الرجل السوداني بلبسه للازار فقط وتطور للبس القميص بسيط الخياطة ـ عراقي ـ الذي تطور للجلابية التي تجمع بين غرب افريقيا في شكل الخياطة الواسع والاكمام الفضفاضة و اعتماد اللون الأبيض تاثرا” بالعرب والمسلمين، والجلابية كما التوب السوداني أصبحت تعبر عن الترف والغنى كل ما توسعت وكبرت اكمامها،
وانا اعتبر التوب السوداني بشكله الحالي هو اختيار يخص المرأة السودانية قامت به بكامل ارادتها بعيدا” عن الضغوط الحكومية، ربما هو اختيار فرضه عليها التطور المجتمعي بخروجها للغرباء ووصول الغرباء لمضارب قبيلتها، من اختار التوب هو المرأة السودانية بشكل عام بمختلف اقاليمها وثقافتها لقربه من زيها التقليدي وسهولة ارتدائه ووصوله جاهز لا يحتاج لمزيد من الخياطة، ويوجد دليل ربما يستهجنه البعض ولكنه يعكس كيف أن كل إقليم طبع هذا الثوب بهويته، تجد النساء عندما ينتقدن توب (دا شنو توب الفلاتة دا؟ دا شنو توب العرب دا؟ دا شنو توب الغرابة دا؟ دا شنو توب المحس دا؟) كل واحده تضع بصمة مجتمعها على توبها فيصبح يمثل هويتها وتنتقد الذي يشبه ثوب الاخر بألوانه ونوعه وحتى طريقة الارتداء،
نسب التوب الى وسط السوداني يظلم الكثير من الأقاليم التي ساهمت في تطوير هذا الزي الذي يشعر المرأة بالترف والرفاهية والانوثة والتميز، هذا شعور نسائي بحت ليس على الرجال حرج أن لم يدركوه
اذاً يمكننا أن ندع هذه المرأة تطور هذأ التوب لزي قومي رسمي بإضافة شيء من كل إقليم فمثلا” يحدد الثوب الرسمي باحتوائه على الخرز والسكسك والودع وكل ما يعبر عن قبيلة او منطقة ولتطرح الفكرة لمصممات الأزياء السودانيات ويخرجوا اشكال مختلفة مقبولة جميلة تطوف كل السودان لتقدم عليها الملاحظات ونخرج بثوب قومي محدد الشكل به من كل إقليم لمحة عندما يقال زي قومي يكون هذا الثوب دون سواه وكذلك الزي الرجالي، ونصنع زي قومي يمكنك أن تلبسه وأنت مدرك أن هذا زي قومي من ارتداه يمثلك ويمثل غيرك.