شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ بورتسودان تحت القصف: السودان يواجه حربًا بالوكالة تستهدف وجوده ــ بعانخي برس
بعانخي برس

استيقظ السودان على فجر يوم دامٍ، حيث اهتزت مدينة بورتسودان الآمنة نسبيًا على وقع انفجارات طائرات مسيّرة استهدفت قاعدة عثمان دقنة الجوية ومرافق مدنية حيوية. هذا الهجوم الجبان، الذي وصفه المراقبون بأنه الأخطر منذ تحول المدينة إلى العاصمة المؤقتة للبلاد، لم يكن مجرد تصعيد عسكري، بل كشف عن حقيقة دامغة: السودان يخوض حربًا بالوكالة، تُدار بخيوط خفية من عواصم إقليمية طامعة، وتستهدف كيانه ووحدته ومستقبله.
لم يعد بالإمكان تجاهل الحقيقة المرة التي عبّر عنها البيان الرسمي للحكومة السودانية بلهجة حازمة وغير مسبوقة. الاتهام الصريح لدولة الإمارات العربية المتحدة بدعم وتوجيه ميليشيا الدعم السريع، وإدارة العمليات العسكرية من غرف تحكم في أبوظبي، يضع العلاقات بين البلدين على صفيح ساخن، بل ويؤكد أن السودان لم يعد ينظر إلى الصراع الدائر على أنه مجرد تمرد داخلي، بل عدوانًا خارجيًا يستهدف سيادته وقراره الوطني.
هذه الاتهامات لم تأتِ من فراغ، بل تستند إلى تقارير موثوقة صادرة عن جهات دولية. فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة كشف عن وصول أسلحة بلغارية إلى قوات الدعم السريع عبر الإمارات، بينما قدم السودان نفسه أدلة دامغة لمجلس الأمن حول تزويد أبوظبي للميليشيات بمعدات عسكرية ودعم طبي. وصور الأقمار الصناعية التي وثقت هبوط طائرات شحن إماراتية متكرر في تشاد في سياق مشبوه، بالإضافة إلى تقارير “هيومن رايتس ووتش” التي أكدت استخدام الدعم السريع لذخائر وصواريخ صربية مصدرها الإمارات، كلها تشير بوضوح إلى تورط إقليمي عميق في تأجيج الصراع السوداني.
ورغم هذه الأدلة المتراكمة، فإن تلكؤ السودان في طلب عقد جلسة طارئة لمجلس جامعة الدول العربية يثير علامات استفهام. يبدو أن هناك تيارات داخل الدولة ما تزال تتشبث بأمل الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات، أو ربما تخشى ردود فعل دول أخرى. لكن هذا التردد قد يكون قاتلًا، فهو يمنح المعتدين وقتًا ثمينًا لإعادة التموضع وتعميق اختراقهم للسودان.
إقليميًا، جاءت الإدانات للهجوم على بورتسودان من دول مثل السعودية ومصر وقطر والكويت والاتحاد الإفريقي ومجلس التعاون الخليجي، لتؤكد على خطورة استهداف البنية التحتية وتهديد الاستقرار الإقليمي. ورغم أن بعض هذه الإدانات لم تسمِّ الفاعل بشكل مباشر، إلا أنها تمثل فرصة سانحة لبناء موقف عربي موحد يدعم التحرك السوداني ويكبح جماح التدخلات الخارجية.
أمنيًا، يكشف الهجوم على بورتسودان عن ثغرات خطيرة في منظومة الدفاع الجوي السودانية، ويستدعي ضرورة إعادة هيكلتها بشكل عاجل. كما يستلزم تفكيك شبكات الخلايا النائمة وتفعيل قوانين الطوارئ لتأمين الداخل، خاصة وأن بورتسودان أصبحت شريان الحياة الذي يربط السودان بالعالم الخارجي. إن استمرار الاعتماد على سياسات أمنية قائمة على رد الفعل لن يؤدي إلا إلى ترسيخ الضعف وترك البلاد عرضة للمزيد من الهجمات.
إن الحرب في السودان لم تعد مجرد صراع داخلي يمكن احتواؤه. لقد تحولت إلى مواجهة إقليمية مفتوحة، تستخدم فيها قوى خارجية ميليشيا الدعم السريع كأداة لتنفيذ أجنداتها، بهدف تفكيك الدولة السودانية وفرض واقع سياسي جديد يخدم مصالحها. هذا ما يُعرف بـ “حرب الظل بالوكالة”، وهي حرب مُدمرة تُطيل أمد النزاع وتُعيق أي حل سياسي حقيقي، بل وتسعى لفرض تسوية تضمن إفلات الداعمين الإقليميين والمحليين من المساءلة عن جرائمهم.
إن اللحظة الراهنة لا تحتمل التردد أو المجاملات. السودان يواجه معركة وجودية، تتطلب تفعيل كل أدوات الرد السياسي والدبلوماسي والقانوني. يجب مخاطبة المنظمات الإقليمية والدولية، وبناء تحالفات دفاع مشترك مع الدول الصديقة التي تملك الإرادة والقدرة على مواجهة هذا التدخل السافر. كما أن جامعة الدول العربية مطالبة بتحرك فوري وحاسم، حتى لا يُكتب عليها تاريخيًا أنها تقاعست عن نصرة دولة عربية شقيقة تواجه عدوانًا يستهدف سيادتها ووحدتها.
ختامًا، وكما يظهر جليًا، فإن السودان يخوض حربًا بالوكالة تُدار من عواصم بعيدة بأدوات محلية، وتستهدف جوهر وجوده. وقد آن الأوان أن تستيقظ الدولة السودانية بكامل قواها، وأن تدافع عن سيادتها ومستقبل شعبها بكل حزم وعزيمة، وألا تترك مصير البلاد رهينًا بحسابات خاسرة أو صمت مطبق. فالحقيقة واضحة وضوح الشمس، والمعركة هي معركة بقاء.