راي

شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ السودان في عين العاصفة: نداء عربي لتصويب بوصلة الأمن الإقليمي ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

في ظل تصاعد وتيرة التحديات الإقليمية، جاء الانعقاد الطارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، برئاسة الأردن، ليشكل إشارة بالغة الأهمية على خطورة الأوضاع في السودان، وتداعياتها التي تتجاوز حدود الجغرافيا الوطنية لتلامس صميم الأمن الإقليمي العربي. إن ما استمع إليه المجلس من شرح مفصل قدمه السفير عماد عدوي، مندوب السودان، حول الاستهداف الممنهج للمنشآت الحيوية والاستراتيجية، ليس مجرد سرد لوقائع أمنية، بل هو دق ناقوس خطر يحمل في طياته تحذيراً من انفجار وشيك يمكن أن يعيد رسم خرائط الصراع في منطقة حيوية للعالم.
لقد كشف السفير عدوي عن استهدافات بالغة الدقة لمنشآت حيوية أساسية، إمدادات المياه والطاقة والكهرباء والمنشآت النفطية، وصولاً إلى الموانئ الاستراتيجية المطلة على البحر الأحمر، وفي مقدمتها ميناء بورتسودان الحيوي، فضلاً عن استهداف منشآت عسكرية مهمة. إن استخدام “مسيرات استراتيجية سريعة الحركة وطويلة المدى” في هذه الهجمات المنظمة، وفقاً للسفير، يرسم صورة واضحة لعمليات ليست عشوائية، بل هي جزء من أجندة أوسع نطاقاً.
المقلق في هذا السياق، هو التفسير السوداني لهذه الهجمات، والذي يؤكد أن “دولة العدوان” التي تقف خلفها تخدم “أجندة ضيقة الأفق” وتسعى بوضوح إلى “إشعال حرب إقليمية جديدة يكون السودان مركزها”، لتتجاوز تداعياتها إلى مناطق حساسة كـ “الساحل والبحر الأحمر والقرن الأفريقي”. هذا الربط بين أمن السودان والأمن العربي الشامل ليس محض مصادفة، بل هو حقيقة جيوسياسية، فالسودان بوزنه الجغرافي والسكاني، يمثل عمقاً استراتيجياً للأمن القومي العربي، وأي اضطراب فيه هو حكماً اضطراب في محيطه العربي الأوسع.
إن دعوة السفير عدوي للمجتمع الدولي التحلي بالجدية في مواجهة “ازدواجية المعايير” هي صرخة حق في وجه صمت دولي مطبق أو انتقائي. فكيف يمكن لمنظومة العدالة الدولية، التي تنشط بفاعلية في أماكن صراع معينة، أن تتجاهل هجمات إرهابية موجهة ضد بنى تحتية مدنية وعسكرية في السودان، دون أن يشكل ذلك “إحراجاً كبيراً” لها؟ هذا التمييز في التعامل مع الأزمات يعمق الانطباع بأن هناك أجندات خفية تحرك المواقف الدولية، وهو ما يضرب في صميم مبادئ العدالة والشرعية الدولية.
الموقف العربي، كما عبر عنه قرار مجلس الجامعة، بدأ واضحاً في تجديد التضامن العربي مع السودان حكومة وشعباً، وتوجيه المنظمات العربية المتخصصة لتقديم الدعم الإنساني العاجل والمساهمة في إعادة تأهيل المرافق المتضررة. هذا التضامن يعكس تمسكاً بالمقررات العربية السابقة، وعلى رأسها مخرجات القمة العربية الأخيرة في البحرين، التي شددت على “ضرورة الحفاظ على سيادة السودان واستقلاله ووحدة وسلامة أراضيه ورفض كافة أشكال التدخل الأجنبي”. الأهم من ذلك، هو التأكيد على “الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية وفي طليعتها القوات المسلحة ومنع انهيارها”، وهي نقطة جوهرية في أي عملية استقرار حقيقية.
لكن جوهر الرسالة السودانية، والتي لا بد أن يرتكز عليها العمل العربي، هو التشديد على أن “أي دعم خارجي – سواء كان سياسياً أو بالتمويل أو بالمد بالسلاح أو بالمجندين – يقدم لميليشيا متمردة غير نظامية، وليس لديها أي وضع دستوري وتعمل بشكل مواز للقوات النظامية داخل السودان، يعتبر… بمثابة دعم للإرهاب يجب العمل على إدانته ووقفه فوراً.” هذا التوصيف الدقيق يضع الكرة في ملعب من يدعمون الفصائل الخارجة عن الشرعية، ويدعو إلى تصنيف سلوكهم دعم للإرهاب، بما يتسق مع قرارات الجامعة العربية في مكافحة الإرهاب.
تأكيد السفير عدوي على أن “الدولة السودانية بمؤسساتها الوطنية وبمساندة شعبها الكريم قد حسمت معركتها مع ميليشيا الدعم السريع”، وأن “دولة العدوان قد انتقلت من مرحلة التغطية السياسية ودعم الميليشيا بالمرتزقة والأسلحة إلى القتال نيابة عنها بعد هزيمتها”، يحمل دلالات خطيرة. فإذا صح هذا الادعاء، فإننا أمام تحول في طبيعة الصراع من صراع داخلي إلى مواجهة مع تدخل خارجي مباشر، مما يضع المنطقة على شفا تصعيد غير مسبوق.
إن تقدير السودان لمواقف الدول العربية المشرفة، وانعكاس روح التضامن العربي في قرار المجلس الصادر اليوم، يعكس صحوة عربية بضرورة التمسك بالثوابت، وفي مقدمتها احترام سيادة الدول ومؤسساتها الوطنية وأحقيتها في حماية أمنها القومي. لكن هذا القرار، على أهميته، يجب أن يكون نقطة انطلاق لعمل عربي مشترك أكثر فاعلية على الساحتين الإقليمية والدولية.
يجب على جامعة الدول العربية، بموجب هذا القرار، أن تتحرك بجدية أكبر لحشد الدعم الدولي للسودان، لا سيما في مواجهة ما سماه السفير “دولة العدوان” وممارساتها. كما يجب عليها تفعيل آليات متابعة للتأكد من وصول الدعم الإنساني وتأهيل المرافق. الأهم من ذلك، هو العمل الدبلوماسي الحثيث لفضح ازدواجية المعايير الدولية والضغط لوقف أي دعم خارجي للميليشيات المتمردة.
إن استقرار السودان ووحدة أراضيه وسلامة مؤسساته الوطنية ليست رفاهية، بل هي ضرورة للأمن الإقليمي والدولي. وما دام السودان يمثل “البيت العربي الجامع”، فإن أي محاولة لتفكيكه أو تقليل شأنه، هي محاولة لزعزعة استقرار المنطقة برمتها. إن التزام الجامعة العربية بالدفاع عن سيادة السودان ومؤسساته هو التزام بأمنها القومي الجماعي، وهو اختبار حقيقي لقدرة العمل العربي المشترك على مواجهة التحديات المصيرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى