شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر ــ Ghariba2013@gmail.com السودان بعد الحرب: ضرورة ملحة لتعزيز الأمن القومي والتماسك المجتمعي والانفتاح الأفريقي ــ بعانخي برس
بعانخي برس

لقد خلف الصراع المرير الذي شهده السودان جراحًا عميقة في نسيجه الاجتماعي والاقتصادي، وهز أركان أمنه القومي. ومع التطلع إلى غدٍ خالٍ من ويلات الحرب، تبرز الحاجة الملحة إلى تبني استراتيجية شاملة ومتكاملة تضع في صميم أولوياتها تعزيز الأمن القومي، وتضميد التصدعات المجتمعية، وغرس قيم المواطنة الصالحة، وتوجيه الإعلام نحو خدمة المجتمع، والعودة إلى جذورنا الثقافية الأصيلة، والانفتاح الواسع على محيطنا الأفريقي.
إن مفهوم الأمن القومي في مرحلة ما بعد النزاع يتجاوز البعد العسكري التقليدي ليشمل أبعادًا اجتماعية واقتصادية وثقافية. فالحفاظ على سلامة الأراضي ووحدة البلاد يظل أمرًا محوريًا، لكنه لا يكتمل إلا بتحقيق الاستقرار الداخلي، ومعالجة أسباب النزاع، وبناء مجتمع متماسك وقادر على تجاوز الانقسامات. ويتطلب ذلك تبني سياسات رشيدة تضمن حكم القانون، وتحقق العدالة الانتقالية، وتعزز المصالحة الوطنية، وتوفر فرصًا اقتصادية عادلة للجميع.
إن تعضيد النسيج المجتمعي السوداني يمثل حجر الزاوية في بناء سودان مستقر ومزدهر. لقد أفرزت الحرب ندوبًا عميقة من الكراهية وعدم الثقة بين مختلف المكونات الاجتماعية. لذا، يصبح من الضروري إطلاق مبادرات وطنية جادة تهدف إلى ترميم هذه العلاقات، وتعزيز الحوار والتفاهم المتبادل، والاحتفاء بالتنوع الثقافي الغني الذي يزخر به السودان. إن إحياء قيم التسامح والإيثار والتكافل التي لطالما ميزت مجتمعنا السوداني الأصيل يشكل ضرورة قصوى لتجاوز مرارة الماضي وبناء مستقبل مشترك يسوده الوئام.
وتلعب التربية الوطنية دورًا حيويًا في غرس قيم المواطنة الصالحة في نفوس الأجيال الجديدة. يجب أن تركز المناهج التعليمية على تعزيز الهوية الوطنية الجامعة، والتأكيد على أهمية الوحدة والتنوع، وتنمية الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن والمجتمع. إن بناء جيل واعٍ بحقوقه وواجباته، ومؤمن بقيم الديمقراطية والتسامح، هو ضمانة لمستقبل مستقر ومزدهر للسودان.
أما الإعلام، في مرحلة ما بعد النزاع، فيجب أن يتحول إلى أداة بناء لا هدم. ينبغي أن يضطلع بدوره في نشر ثقافة السلام والمصالحة، ومحاربة خطاب الكراهية والتحريض، وتسليط الضوء على قصص النجاح والمبادرات الإيجابية التي تعزز التماسك المجتمعي. إن إعلامًا مسؤولًا ومهنيًا يلتزم بأخلاقيات العمل الصحفي، ويسعى إلى تقديم الحقائق بموضوعية، هو ضرورة لبناء وعي وطني مستنير.
إن العودة إلى قيمنا السودانية السمحة تمثل ركيزة أساسية في عملية التعافي والبناء. قيم الكرم والجود والإحسان وصلة الرحم والتآزر الاجتماعي هي من صميم هويتنا الثقافية. إن إحياء هذه القيم وتعزيزها في حياتنا اليومية يسهم في تقوية الروابط الاجتماعية وتجاوز الخلافات وتعزيز الشعور بالانتماء المشترك.
أخيرًا، لا يمكن للسودان أن ينهض بمعزل عن محيطه الأفريقي. فالانفتاح على دول القارة وتعزيز العلاقات الثنائية والإقليمية يمثل فرصة حقيقية للتعاون وتبادل الخبرات وتحقيق المصالح المشتركة. إن الانتماء الأفريقي ليس مجرد انتماء جغرافي، بل هو انتماء تاريخي وثقافي واقتصادي. إن تعزيز هذا الانتماء وتقوية الروابط مع الدول الأفريقية الشقيقة يخدم مصالح السودان ويعزز دوره الإقليمي والدولي.
إن تجاوز آثار الحرب وبناء مستقبل أفضل للسودان يتطلب تضافر جهود جميع أبنائه، حكومة وشعبًا، ومؤسسات مجتمع مدني، وقادة رأي. إن الاهتمام بالأمن القومي الشامل، وتعضيد النسيج المجتمعي، والتربية الوطنية الهادفة، والإعلام المسؤول، والعودة إلى قيمنا الأصيلة، والانفتاح الأفريقي الواسع، ليست مجرد شعارات، بل هي ضرورات حتمية لبناء سودان قوي وموحد ومزدهر ينعم فيه الجميع بالسلام والعدل والرخاء.