راي

شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة ــ Ghariba2013@gmail.com اليوم العالمي للفن: بصيص أمل وإعادة بناء في سماء السودان المثقل ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

يحتفي العالم في الخامس عشر من أبريل من كل عام باليوم العالمي للفن، وهو مناسبة لتسليط الضوء على أهمية الإبداع ودوره المحوري في تشكيل المجتمعات وتعبيرها عن ذاتها وتاريخها. لكن هذا العام، يكتسب هذا اليوم في السودان معنى أعمق وأكثر إلحاحًا. ففي ظل الظروف القاسية التي تمر بها البلاد جراء الحرب المدمرة، يصبح الفن ليس مجرد وسيلة للتعبير الجمالي، بل أداة قوية لإعادة الإعمار والتنمية وبث الأمل في نفوس شعب عانى ولا يزال يعاني ويلات الصراع.
لطالما كان الفن مرآة تعكس نبض المجتمع، وتسجل أحداثه، وتوثق تاريخه. وفي السودان، يزخر المشهد الفني بتنوع فريد يعكس ثراءه الثقافي وتعدده العرقي. من الموسيقى الصوفية الروحانية إلى الرقصات الشعبية الحماسية، ومن الحرف اليدوية التقليدية إلى اللوحات التشكيلية المعاصرة، شكل الفن على الدوام جزءًا لا يتجزأ من هوية السودانيين ووسيلة للتواصل والتعبير عن أفراحهم وأتراحهم.
لكن الحرب الأخيرة ألقت بظلالها القاتمة على هذا المشهد الحيوي. دُمرت البنى التحتية الثقافية، وتوقف العديد من الفنانين عن ممارسة إبداعهم تحت وطأة الخوف والنزوح، وتشتتت المجتمعات التي كانت تحتضن هذا الفن. ومع ذلك، وفي خضم هذه الفوضى، يبرز الفن كشعلة تضيء دروب التعافي، وكمصدر للقوة والصمود في وجه المحن.
تكمن قوة الفن في قدرته على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية، وعلى الوصول إلى أعماق النفس البشرية. في سياق إعادة الإعمار، يمكن للفن أن يلعب أدوارًا حيوية متعددة بتضميد الجراح النفسية والاجتماعية، فيمكن للعلاج بالفن والموسيقى والمسرح أن يوفر مساحة آمنة للناجين من الحرب للتعبير عن صدماتهم وأحزانهم، ومعالجة الآثار النفسية العميقة التي خلفتها النزاعات. كما يمكن للمشاريع الفنية الجماعية أن تعزز التلاحم الاجتماعي وتخلق شعورًا بالانتماء للمجتمع من جديد، خاصة بين النازحين واللاجئين، بجانب توثيق الذاكرة الجماعية والحفاظ على الهوية، فيمكن للفنانين من خلال أعمالهم أن يوثقوا فظائع الحرب وتضحيات الضحايا، وأن يحافظوا على الذاكرة الجماعية للأحداث المؤلمة. هذا التوثيق ضروري ليس فقط لتكريم الماضي، بل أيضًا لاستخلاص الدروس وبناء مستقبل يرتكز على العدالة والمصالحة. كما يمكن للفن أن يعيد إحياء التراث الثقافي المهدد بالاندثار نتيجة للنزاعات، ويحافظ على الهوية الوطنية المتنوعة والغنية، وبناء جسور التواصل وتعزيز الحوار، فيمكن للمبادرات الفنية المشتركة بين مختلف المكونات الاجتماعية والثقافية أن تساهم في كسر الصور النمطية وتعزيز التفاهم المتبادل. فالفن لغة عالمية قادرة على تجاوز الانقسامات السياسية والعرقية، وخلق مساحة للحوار البناء حول مستقبل السودان، وتحفيز الإبداع والابتكار في عملية التنمية، فيمكن للفن أن يلعب دورًا في تحفيز الإبداع والابتكار في مختلف المجالات. فالتفكير الإبداعي الذي يغذيه الفن يمكن أن يساهم في إيجاد حلول جديدة للتحديات التي تواجه عملية إعادة الإعمار والتنمية المستدامة. كما يمكن للصناعات الثقافية والفنية أن تساهم في خلق فرص عمل جديدة وتعزيز الاقتصاد المحلي.
إن الاحتفاء باليوم العالمي للفن في السودان هذا العام يجب أن يكون بمثابة دعوة للعمل. دعوة لدعم الفنانين السودانيين الذين صمدوا في وجه المحن واستمروا في الإبداع. دعوة لحماية التراث الثقافي والفني المهدد. دعوة لدمج الفن والثقافة في برامج إعادة الإعمار والتنمية.
إن إعادة بناء السودان لا تقتصر على ترميم المباني والبنى التحتية المادية فحسب، بل تشمل أيضًا إعادة بناء الروح والمجتمع. والفن، بكل أشكاله وتعبيراته، يمثل لبنة أساسية في هذا البناء. إنه الأمل الذي يتجسد في لوحة، والقصة التي تُروى في أغنية، والحكمة التي تُنقل عبر رقصة. إنه الصوت الذي لا يمكن إسكاته، والروح التي لا تنكسر.
في هذا اليوم العالمي للفن، نؤكد على أن دعم الفن والفنانين في السودان ليس ترفًا، بل هو استثمار في مستقبل البلاد، واستثمار في قدرة شعبها على تجاوز الألم والانطلاق نحو غدٍ أكثر إشراقًا وسلامًا وازدهارًا. فلنجعل من الفن جسرًا نعبر به نحو سودان جديد، موحد ومتسامح، يحتفي بتنوعه ويقدر إبداع أبنائه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى